تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{۞لَهُمۡ دَارُ ٱلسَّلَٰمِ عِندَ رَبِّهِمۡۖ وَهُوَ وَلِيُّهُم بِمَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (127)

{ لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ } وسميت الجنة دار السلام ، لسلامتها من كل عيب وآفة وكدر ، وهم وغم ، وغير ذلك من المنغصات ، ويلزم من ذلك ، أن يكون نعيمها في غاية الكمال ، ونهاية التمام ، بحيث لا يقدر على وصفه الواصفون ، ولا يتمنى فوقه المتمنون ، من نعيم الروح والقلب والبدن ، ولهم فيها ، ما تشتهيه الأنفس ، وتلذ الأعين ، وهم فيها خالدون .

{ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ } الذي يتولى تدبيرهم وتربيتهم ، ولطف بهم في جميع أمورهم ، وأعانهم على طاعته ، ويسر لهم كل سبب موصل إلى محبته ، وإنما تولاهم ، بسبب أعمالهم الصالحة ، ومقدماتهم التي قصدوا بها رضا مولاهم ، بخلاف من أعرض عن مولاه ، واتبع هواه ، فإنه سلط عليه الشيطان فتولاه ، فأفسد عليه دينه ودنياه .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{۞لَهُمۡ دَارُ ٱلسَّلَٰمِ عِندَ رَبِّهِمۡۖ وَهُوَ وَلِيُّهُم بِمَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (127)

114

والذين يتذكرون ، لهم دار السلام عند ربهم . . دار الطمأنينة والأمان . . مضمونة عند ربهم لا تضيع . . وهو وليهم وناصرهم وراعيهم وكافلهم . . ذلك بما كانوا يعملون . . فهو الجزاء على النجاح في الابتلاء .

ومرة أخرى نجدنا أمام حقيقة ضخمة من حقائق هذه العقيدة . حيث يتمثل صراط الله المستقيم في الحاكمية والشريعة . ومن ورائهما يتمثل الإيمان والعقيدة . . إنها طبيعة هذا الدين كما يقررها رب العالمين . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{۞لَهُمۡ دَارُ ٱلسَّلَٰمِ عِندَ رَبِّهِمۡۖ وَهُوَ وَلِيُّهُم بِمَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (127)

{ لَهُمْ دَارُ السَّلامِ } وهي : الجنة ، { عِنْدَ رَبِّهِمْ } أي : يوم القيامة . وإنما وصف الله الجنة هاهنا بدار السلام لسلامتهم فيما سلكوه من الصراط المستقيم ، المقتفي أثر الأنبياء وطرائقهم ، فكما سلموا من آفات الاعوجاج أفْضَوا إلى دار السلام .

{ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ } أي : والسلام - وهو الله - وليهم ، أي : حافظهم وناصرهم ومؤيدهم ، { بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } أي : جزاء [ على ]{[11213]} أعمالهم الصالحة تولاهم وأثابهم الجنة ، بمنّه وكرمه .


[11213]:زيادة من م، أ.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{۞لَهُمۡ دَارُ ٱلسَّلَٰمِ عِندَ رَبِّهِمۡۖ وَهُوَ وَلِيُّهُم بِمَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (127)

الضّمير في : { لهم دار السلام } عائد إلى { قوم يذّكَّرون } [ الأنعام : 126 ] .

والجملة إمّا مستأنفة استئنافاً بيانياً : لأنّ الثّناء عليهم بأنّهم فُصّلت لهم الآيات ويتذكّرون بها يثير سؤال مَن يسأل عن أثر تبيين الآيَات لهم وتذكُّرهم بها ، فقيل : { لهم دار السلام } .

وإمّا صفة : { لقوم يذّكّرون } [ الأنعام : 126 ] . وتقديم المجرور لإفادة الاختصاص للقوم الذين يذكّرون لا لغيرهم .

والدّارُ : مكان الحلول والإقامة ، ترادف أو تقارب المحلّ من الحُلول ، وهو مؤنّث تقديراً فيصغَّر على دويرة . والدّار مشتقّة من فعل دار يدور لكثرة دوران أهلها ، ويقال لها : دارة ، ولكن المشهور في الدارة أنّها الأرض الواسعة بين جبال .

والسّلام : الأمان ، والمراد به هنا الأمان الكامل الّذي لا يعتري صاحِبه شيء ممّا يُخاف من الموجودات جواهرها وأعراضها ، فيجوز أن يراد بدار السّلام الجنّة سمّيت دار السّلام لأنّ السّلامة الحقّ فيها ، لأنَّها قرار أمن من كلّ مكروه للنّفس ، فتمحّضت للنَّعيم الملائم ، وقيل : السّلام ، اسم من أسماء الله تعالى ، أي دار الله تعظيماً لها كما يقال للكعبة : بيت الله ، ويجوز أن يراد مكانة الأمان عند الله ، أي حالة الأمان من غضبه وعذابه ، كقول النّابغة :

كم قد أحلّ بدار الفقر بعد غنىً *** عمرو وكم راش عمرو بعد إقتار

و { عند } مستعارة للقرب الاعتباري ، أريد به تشريف الرتبة كما دلّ عليه قوله عَقِبه : { وهو وليّهم } ، ويجوز أن تكون مستعارة للحفظ لأنّ الشيء النّفيس يُجعل في مكان قريب من صاحبه ليحفظه ، فيكون المعنى تحقيق ذلك لهم ، وأنَّه وعد كالشّيء المحفوظ المدّخر ، كما يقال : إن فعلت كذا فلك عندي كذا تحقيقاً للوعد . والعدول عن إضافة { عند } لضمير المتكلّم إلى إضافته للاسم الظاهر : لقصد تشريفهم بأنّ هذه عطيّة مَن هو مولاهم . فهي مناسبة لفضله وبرّه بهم ورضاه عنهم كعكسه المتقدّم آنفاً في قوله تعالى : { سيصيب الذين أجرموا صغار عند الله } [ الأنعام : 124 ] .

وعطف على جملة : { لهم دار السلام } جملة : { وهو وليهم } تعميماً لولاية الله إيَّاهم في جميع شؤونهم ، لأنَّها من تمام المنّة . والوليّ يطلق بمعنى النّاصر وبمعنى الموالي .

وقوله : { بما كانوا يعملون } يجوز أن يتعلّق بما في معنى الخبر في قوله : { لهم دار السلام } ، من مفهوم الفعل ، أي ثبت لهم ذلك بما كانوا يعملون ، فتكون الباء سببيّة ، أي بسبب أعمالهم الحاصلة بالإسلام ، أو الباء للعوض : أي لهم ذلك جَزاء بأعمالهم ، وتكون جملة : { وهو وليهم } معترضة بين الخبر ومتعلِّقه ، ويجوز أن يَكون : { بما كانوا يعملون } متعلِّقا ب { وليّهم } أي وهو ناصرهم ، والباء للسّببيّه : أي بسبب أعمالهم تولاّهم ، أو الباء للملابسة ، ويكون : { بما كانوا يعملون } مراداً به جزاء أعمالهم ، على حذف مضاف دلّ عليه السّياق .

وتعريف المسند بالإضافة في قوله : { وليهم } أفاد الإعلام بأنّ الله وليّ القوم المتذكّرين ، ليعلموا عظم هذه المنّة فيشكروها ، وليعلم المشركون ذلك فيغيظهم .

وذلك أنّ تعريف المسند بالإضافه يخالف طريقة تعريفه بغير الإضافة ، من طرق التّعريف ، لأنّ التّعريف بالإضافة أضعف مراتب التّعريف ، حتّى أنَّه قد يقرب من التّنكير على ما ذكره المُحقّقون : من أنّ أصل وضع الإضافة على اعتبار تعريف العهد ، فلا يُقال : غلام زيد ، إلاّ لغلام معهود بين المتكلّم والمخاطب بتلك النّسبة ، ولكن الإضافة قد تخرج عن ذلك في الاستعمال فتجيء بمنزلة النكرة المخصوصة بالوصف ، فتقول : أتاني غلامُ زيد بكتاب منه وأنت تريد غلاماً له غير معيَّن عند المخاطب ، فيصير المعرّف بالإضافة حينئذ كالمعرّف بلام الجنس ، أي يفيد تعريفاً يميّز الجنس من بين سائر الأجناس ، فالتّعريف بالإضافة يأتي لما يأتي له التّعريف باللام . ولهذا لم يكن في قوله : { وهو وليهم } قَصْر ولا إفاده حُكم معلوم على شيء معلوم . وممّا يزيدك يقينا بهذا قوله تعالى : { ذلك بأنّ الله مولى الذين آمنوا وأنّ الكافرين لا مولى لهم } [ محمد : 11 ] فإنّ عطف : { وأنّ الكافرين لا مولى لهم } على قوله : { بأنّ الله مولى الذين آمنوا } أفاد أنّ المراد بالأوّل إفادة ولاية الله للّذين آمنوا لا الإعلام بأنّ من عرف بأنَّه مولى الّذين آمنوا هو الله .