لما ذكر تعالى ما خلقه من المخلوقات العظيمة ، وما أنعم به من النعم العميمة ذكر أنه لا يشبهه أحد ولا كفء له ولا ند له فقال : { أَفَمَنْ يَخْلُقُ } جميع المخلوقات وهو الفعال لما يريد { كَمَنْ لَا يَخْلُقُ } شيئا لا قليلا ولا كثيرا ، { أَفَلَا تَذَكَّرُونَ } فتعرفون أن المنفرد بالخلق أحق بالعبادة كلها ، فكما أنه واحد في خلقه وتدبيره فإنه واحد في إلهيته وتوحيده وعبادته .
وعندما ينتهي استعراض آيات الخلق ، وآيات النعمة ، وآيات التدبير في هذا المقطع من السورة يعقب السياق عليه بما سيق هذا الاستعراض من أجله . فقد ساقه في صدد قضية التعريف بالله سبحانه وتوحيده وتنزيهه عما يشركون :
( أفمن يخلق كمن لا يخلق ؟ أفلا تذكرون ؟ وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الله لغفور رحيم . والله يعلم ما تسرون وما تعلنون ، والذين يدعون من دون الله لا يخلقون شيئا وهم يخلقون ، أموات غير أحياء وما يشعرون أيان يبعثون ) . .
وهو تعقيب يجيء في أوانه ، والنفس متهيئة للإقرار بمضمونه : ( أفمن يخلق كمن لا يخلق ) . فهل هنالك إلا جواب واحد : لا . وكلا : أفيجوز أن يسوي إنسان في حسه وتقديره . . بين من يخلق ذلك الخلق كله ، ومن لا يخلق لا كبيرا ولا صغيرا ؟ ( أفلا تذكرون ) فما يحتاج الأمر إلى أكثر من التذكر ، فيتضح الأمر ويتجلى اليقين .
ثم قررهم على التفرقة بين من يخلق الأشياء ويخترعها وبين من لا يقدر على شيء من ذلك ، وعبر عن الأصنام ب «من » لوجهين ، أحدهما أن الآية تضمنت الرد على جميع من عبد غير الله ، وقد عبرت طوائف من تقع عليه العبارة ب «من » ، والآخر أن العبارة جرت في الأصنام بحسب اعتقاد الكفرة فيها في أن لها تأثيراً وأفعالاً{[7270]} ، ثم وبخهم بقوله { أفلا تذكرون } .
بعد أن أقيمت الدلائل على انفراد الله بالخلق ابتداء من قوله تعالى { خلق السماوات والأرض بالحق } [ سورة النحل : 3 ] وثبتت المنّة وحقّ الشّكر ، فرع على ذلك هاتان الجملتان لتكونا كالنتيجتين للأدلّة السابقة إنكاراً على المشركين . فالاستفهام عن المساواة إنكاري ، أي لا يستوي من يخلق بمن لا يخلق . فالكاف للمماثلة ، وهي مورد الإنكار حيث جعلوا الأصنام آلهة شريكة لله تعالى . ومن مضمون الصّلتين يعرف أي الموصولين أولى بالإلهية فيظهر مورد الإنكار .
وحين كان المراد بمن لا يخلق الأصنام كان إطلاق من الغالبة في العاقل مشاكلة لقوله { أفمن يخلق } .
وفرع على إنكار التسوية استفهامٌ عن عدم التذكّر في انتفائها . فالاستفهام في قوله : { أفلا تذكرون } مستعمل في الإنكار على انتفاء التذكر ، وذلك يختلف باختلاف المخاطبين ، فهو إنكار على إعراض المشركين عن التذكر في ذلك .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.