الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{أَفَمَن يَخۡلُقُ كَمَن لَّا يَخۡلُقُۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} (17)

فإن قلت : { مَّن لاَّ يَخْلُقُ } أريد به الأصنام ، فلم جيء بمن الذي هو لأولي العلم ؟ قلت : فيه أوجه ، أحدها : أنهم سموها آلهة وعبدوها ، فأجروها مجرى أولي العلم . ألا ترى إلى قوله على أثره { والذين يَدْعُونَ مِن دُونِ الله لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ } [ النحل : 20 ] والثاني : المشاكلة بينه وبين من يخلق . والثالث : أن يكون المعنى أنّ من يخلق ليس كمن لا يخلق من أولي العلم ، فكيف بما لا علم عنده كقوله : { أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا } [ الأعراف : 195 ] يعني أنّ الآلهة حالهم منحطة عن حال من لهم أرجل وأيد وآذان وقلوب ، لأنّ هؤلاء أَحياء وهم أموات ، فكيف تصح لهم العبادة ؟ لا أنها لو صحت لهم هذه الأعضاء لصحّ أن يعبدوا .

فإن قلت : هو إلزام للذين عبدوا الأوثان وسموها آلهة تشبيهاً بالله ، فقد جعلوا غير الخالق مثل الخالق ، فكان حق الإلزام أن يقال لهم : أفمن لا يخلق كمن يخلق ؟ قلت : حين جعلوا غير الله مثل الله في تسميته باسمه والعبادة له وسوّوا بينه وبينه ، فقد جعلوا الله تعالى من جنس المخلوقات وشبيهاً بها ، فأنكر عليهم ذلك بقوله : { أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ } .