( إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات ) . . فهؤلاء هم الذين يبقون على سواء الفطرة ، ويكملونها بالإيمان والعمل الصالح ، ويرتقون بها إلى الكمال المقدر لها ، حتى ينتهوا بها إلى حياة الكمال في دار الكمال . ( فلهم أجر غير ممنون )دائم غير مقطوع .
فأما الذين يرتكسون بفطرتهم إلى أسفل سافلين ، فيظلون ينحدرون بها في المنحدر ، حتى تستقر في الدرك الأسفل . هناك في جهنم ، حيث تهدر آدميتهم ، ويتمحضون للسفول !
فهذه وتلك نهايتان طبيعيتان لنقطة البدء . . إما استقامة على الفطرة القويمة ، وتكميل لها بالإيمان ، ورفع لها بالعمل الصالح . . فهي واصلة في النهاية إلى كمالها المقدر في حياة النعيم . . وإما انحراف عن الفطرة القويمة ، واندفاع مع النكسة ، وانقطاع عن النفخة الإلهية . . فهي واصلة في النهاية إلى دركها المقرر في حياة الجحيم .
ومن ثم تتجلى قيمة الإيمان في حياة الإنسان . . إنه المرتقى الذي تصل فيه الفطرة القويمة إلى غاية كمالها . إنه الحبل الممدود بين الفطرة وبارئها . إنه النور الذي يكشف لها مواقع خطاها في المرتقى الصاعد إلى حياة الخالدين المكرمين .
وحين ينقطع هذا الحبل ، وحين ينطفئ هذا النور ، فالنتيجة الحتمية هي الارتكاس في المنحدر الهابط إلى أسفل سافلين ، والانتهاء إلى إهدار الآدمية كلية ، حين يتمحض الطين في الكائن البشري ، فإذا هو وقود النار مع الحجارة سواء بسواء !
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
ثم استثنى ، فقال : { إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون } يعني غير منقوص ، لا يمن به عليهم ...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وقوله : "إلاّ الّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ"؛ اختلف أهل التأويل في معنى هذا الاستثناء؛
فقال بعضهم : هو استثناء صحيح من قوله ( ثُمّ رَدَدْناهُ أسْفَلَ سافِلِينَ )... عن عكرمة ، قال : ( كان يقال ) : من قرأ القرآن لم يُردّ إلى أرذل العمر ، ثم قرأ : ( لَقَدْ خَلَقْنا الإنْسانَ فِي أحْسَن تَقْوِيمٍ ثُمّ رَدَدْناهُ أسْفَلَ سافِلِينَ إلا الّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ ) قال : لا يكونُ حتى لا يعلَم من بعد علم شيئا .
فعلى هذا التأويل قوله : ( ثُمّ رَدَدْناهُ أسْفَلَ سافِلِينَ ) لخاصّ من الناس ، غير داخل فيهم الذين آمنوا وعملوا الصالحات ، لأنه مستثنى منهم .
وقال آخرون : بل الذين آمنوا وعملوا الصالحات قد يدخلون في الذين رُدّوا إلى أَسْفَل سافلين ، لأن أرذْل العُمر قد يردّ إليه المؤمن والكافر . قالوا : وإنما استثنى قوله : ( إلاّ الّذِين آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ ) من معنى مضمر في قوله : ( ثُمّ رَدَدْناهُ أسْفَلَ سافِلِينَ ) قالوا : ومعناه : ثم رددناه أسفل سافلين ، فذهبت عقولهم وخَرِفوا ، وانقطعت أعمالهم ، فلم تثبت لهم بعد ذلك حسنة ( إلاّ الّذِينَ آمَنُوا وَعمِلُوا الصّالِحاتِ ) فإن الذي كانوا يعملونه من الخير ، في حال صحة عقولهم ، وسلامة أبدانهم ، جارٍ لهم بعد هَرَمهم وخَرَفهم .
وقد يُحتمل أن يكون قوله : ( إلاّ الّذِينَ آمَنُوا وَعمِلُوا الصّالِحاتِ ) استثناء منقطعا ، لأنه يحسن أن يقال : ثم رددناه أسفل سافلين ، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات ، لهم أجر غير ممنون ، بعد أن يردّ أسفل سافلين ... عن ابن عباس ( إلاّ الّذِينَ آمَنُوا وَعمِلُوا الصّالِحاتِ فَلَهُمْ أجْرٌ غَيرُ مَمْنُونِ ) قال : فأيّما رجل كان يعمل عملاً صالحا وهو قويّ شاب ، فعجز عنه ، جرى له أجر ذلك العمل حتى يموت ...
وقال آخرون : بل معنى ذلك : ( إلاّ الّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ ) فإنه يُكتب لهم حسناتهم . ويُتجاوز لهم عن سيئاتهم ...
وقال آخرون : بل معنى ذلك : ثم رددناه أسفل سافلين في جهنم ، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات ، فلهم أجر غير ممنون ...
وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصحة ، قول من قال : معناه : ثم رددناه إلى أرذل العمر ، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات في حال صحتهم وشبابهم ، فلهم أجر غير ممنون بعد هَرَمهم ، كهيئة ما كان لهم من ذلك على أعمالهم ، في حال ما كانوا يعملون وهم أقوياء على العمل .
وإنما قلنا ذلك أولى بالصحة لما وصفنا من الدلالة على صحة القول بأن تأويل قوله : ( ثُمّ رَدَدْناهُ أسْفَل سافِلِينَ )إلى أرذل العمر .
واختلفوا في تأويل قوله : "غَيرُ مَمْنُونٍ"؛
فقال بعضهم : معناه : لهم أجر غير منقوص ...
وقال آخرون : بل معناه : غير محسوب ...
وقد قيل : إن معنى ذلك : فلهم أجر غير مقطوع .
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب : قول من قال : فلهم أجر غير منقوص ، كما كان له أيام صحته وشبابه ...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
ولكن الذين كانوا صالحين من الهرمى فلهم ثواب دائم غير منقطع على طاعتهم وصبرهم على ابتلاء الله بالشيخوخة والهرم ، وعلى مقاساة المشاق والقيام بالعبادة على تخاذل نهوضهم . ...
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
ثم أخبر أن { الذين آمنوا وعملوا الصالحات } وإن نال بعضهم هذا في الدنيا { فلهم } في الآخرة { أجر غير ممنون } .. ...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{ إلا الذين آمنوا } أي بالله ورسله فكانوا من ذوي البصائر والمعارف ، فغلبنا بلطفنا عقولهم بما دعت إليه وأعانت عليه الفطرة الأولى على شهواتهم ، وحميناهم من أرذل العمر ، فكانوا كلما زدناهم سناً زدنا أنوار عقولهم ونقصنا نار شهواتهم بما أضعفنا من إحكام طبائعهم وتعلقهم بهذا العالم ...{ وعملوا } أي تصديقاً لدعواهم الإيمان { الصالحات } أي من محاسن الأعمال من الأقوال والأفعال ثابتة الأركان على أساس الإيمان ، ... { فلهم } أي فتسبب عن ذلك أن كان لهم في الدارين على ما وفقوا له مما يرضيه سبحانه وتعالى { أجر } أي عظيم جداً وهو مع ذلك { غير ممنون } أي مقطوع أو يمن عليهم به حتى في حالة المرض والهرم لكونهم سعوا في مرضاة الله سبحانه وتعالى ...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
( إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات ) . . فهؤلاء هم الذين يبقون على سواء الفطرة ، ويكملونها بالإيمان والعمل الصالح ، ويرتقون بها إلى الكمال المقدر لها ، حتى ينتهوا بها إلى حياة الكمال في دار الكمال . ( فلهم أجر غير ممنون )دائم غير مقطوع ...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
والممنون : الذي يُمنّ على المأجُور به ، أي لهم أجر لا يشوبه كدر ، ولا كدر أن يمنّ على الذي يعطاه بقول : هذا أجرك ، أو هذا عطاؤك ، فالممنون مَفْعول مَنّ عليه ...
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.