ومن معاصيهم التي أحلت بهم المثلات ، وأوقعت بهم العقوبات أنهم : { كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ } أي : كانوا يفعلون المنكر ، ولا ينهى بعضهم بعضا ، فيشترك بذلك المباشر ، وغيره الذي سكت عن النهي عن المنكر مع قدرته على ذلك .
وذلك يدل على تهاونهم بأمر الله ، وأن معصيته خفيفة عليهم ، فلو كان لديهم تعظيم لربهم لغاروا لمحارمه ، ولغضبوا لغضبه ، وإنما كان السكوت عن المنكر -مع القدرة- موجبا للعقوبة ، لما فيه من المفاسد العظيمة :
منها : أن مجرد السكوت ، فعل معصية ، وإن لم يباشرها الساكت . فإنه -كما يجب اجتناب المعصية- فإنه يجب الإنكار على من فعل المعصية .
ومنها : ما تقدم أنه يدل على التهاون بالمعاصي ، وقلة الاكتراث بها .
ومنها : أن ذلك يجرئ العصاة والفسقة على الإكثار من المعاصي إذا لم يردعوا عنها ، فيزداد الشر ، وتعظم المصيبة الدينية والدنيوية ، ويكون لهم الشوكة والظهور ، ثم بعد ذلك يضعف أهل الخير عن مقاومة أهل الشر ، حتى لا يقدرون على ما كانوا يقدرون عليه أوَّلًا .
ومنها : أن - في ترك {[274]} الإنكار للمنكر- يندرس العلم ، ويكثر الجهل ، فإن المعصية- مع تكررها وصدورها من كثير من الأشخاص ، وعدم إنكار أهل الدين والعلم لها - يظن أنها ليست بمعصية ، وربما ظن الجاهل أنها عبادة مستحسنة ، وأي مفسدة أعظم من اعتقاد ما حرَّم الله حلالا ؟ وانقلاب الحقائق على النفوس ورؤية الباطل حقا ؟ "
ومنها : أن السكوت{[275]} على معصية العاصين ، ربما تزينت المعصية في صدور الناس ، واقتدى بعضهم ببعض ، فالإنسان مولع بالاقتداء بأضرابه وبني جنسه ، ومنها ومنها .
فلما كان السكوت عن الإنكار بهذه المثابة ، نص الله تعالى أن بني إسرائيل الكفار منهم لعنهم بمعاصيهم واعتدائهم ، وخص من ذلك هذا المنكر العظيم .
ولم تكن المعصية والاعتداء أعمالا فردية في مجتمع بني إسرائيل . ولكنها انتهت إلى أن تصبح طابع الجماعة كلها ؛ وأن يسكت عنها المجتمع . ولا يقابلها بالتناهي والنكير :
( كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون ! ) . .
إن العصيان والعدوان قد يقعان في كل مجتمع من الشريرين المفسدين المنحرفين . فالأرض لا تخلو من الشر ؛ والمجتمع لا يخلو من الشذوذ ، ولكن طبيعة المجتمع الصالح لا تسمح للشر والمنكر أن يصبحا عرفا مصطلحا عليه ؛ وأن يصبحا سهلا يجترى ء عليه كل من يهم به . . وعندما يصبح فعل الشر أصعب من فعل الخير في مجتمع من المجتمعات ؛ ويصبح الجزاء على الشرك رادعا وجماعيا تقف الجماعة كلها دونه ؛ وتوقع العقوبة الرادعة عليه . . عندئذ ينزوي الشر ، وتنحسر دوافعه . وعندئذ يتماسك المجتمع فلا تنحل عراه . وعندئذ ينحصر الفساد في أفراد أو مجموعات يطاردها المجتمع ، ولا يسمح لها بالسيطرة ؛ وعندئذ لا تشيع الفاحشة . ولا تصبح هي الطابع العام !
والمنهج الإسلامي - بعرضه لهذه الظاهرة في المجتمع الإسرائيلي - في صورة الكراهية والتنديد ، يريد للجماعة المسلمة أن تكون لها كيان حي متجمع صلب ؛ يدفع كل بادرة من بوادر العدوان والمعصية ، قبل أن تصبح ظاهرة عامة ؛ ويريد للمجتمع الإسلامي أن يكون صلبا في الحق ، وحساسا تجاه الاعتداء عليه ؛ ويريد للقائمين على الدين أن يؤدوا أمانتهم التي استحفظوا عليها ، فيقفوا في وجه الشر والفساد والطغيان والاعتداء . . ولا يخافوا لومة لائم . سواء جاء هذا الشر من الحكام المتسلطين بالحكم ؛ أو الأغنياء المتسلطين بالمال ؛ أو الأشرار المتسلطين بالأذى ؛ أو الجماهير المتسلطة بالهوى . فمنهج الله هو منهج الله ، والخارجون عليه علو أم سفلوا سواء .
والإسلام يشدد في الوفاء بهذه الأمانة ؛ فيجعل عقوبة الجماعة عامة بما يقع فيها من شر إذا هي سكتت عليه ؛ ويجعل الأمانة في عنق كل فرد ، بعد أن يضعها في عنق الجماعة عامة .
روى الإمام أحمد - بإسناده - عن عبدالله بن مسعود ، قال : قال رسول الله [ ص ] : " لما وقعت بنو إسرائيل في المعاصي نهتهم علماؤهم فلم ينتهوا فجالسوهم في مجالسهم ، وواكلوهم وشاربوهم . فضرب الله بعضهم ببعض ، ولعنهم على لسان داود وعيسى بن مريم . . . [ ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون ] . " وكان الرسول [ ص ] متكئا فجلس ، فقال : " ولا والذي نفسي بيده حتى تأطروهم على الحق أطرًا " .
وروى أو داود - بإسناده - عن عبدالله بن مسعود قال : قال رسول الله [ ص ] " إن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل كان الرجل يلقى الرجل ، فيقول : يا هذا اتق الله ودع ما تصنع فإنه لا يحل لك . ثم يلقاه من الغد ، فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده . فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض " ، ثم قال : " ( لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم )- إلى قوله : ( فاسقون ) " ثم قال : " كلا والله لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ، ولتأخذن على يد الظالم ، ولتأطرنه على الحق أطراً - أو تقصرنه على الحق قصراً - "
فليس هو مجرد الإمر والنهي ، ثم تنتهي المسأله ، إنما هو الإصرار ، والمقاطعه ، والكف بالقوه عن الشر والفساد والمعصية والاعتداء .
وروي مسلم - بإسناده - عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله [ ص ] " من رأى منكم منكراً فليغيره بيده ؛ فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه . . وذلك أضعف الإيمان " .
وروى الإمام أحمد - بإسناده - عن عدي بن عميره قال - سمعت رسول الله [ ص ] يقول : " إن الله لا يعذب العامه بعمل الخاصه ، حتى يروا المنكر بين ظهرانيهم - وهم قادرون على أن ينكروه - فلا ينكرونه . فإذا فعلوا عذب الله العامه والخاصه " .
وروى أبو داود والترمذي - بإسناده - عن أبي سعيد قال : قال : رسول الله [ ص ] : " أفضل الجهاد كلمة حق عند إمام جائر " . .
وتتوارد النصوص القرآنية والنبوية تترى في هذا المعنى ؛ لأن هذا التماسك في كيان الجماعة بحيث لا يقول أحد فيها - وهو يرى المنكر يقع من غيره - : وأنا مالي ؟ ! وهذه الحمية ضد الفساد في المجتمع ، بحيث لا يقول أحد - وهو يرى الفساد يسري ويشيع - وماذا أصنع والتعرض للفساد يلحق بي الأذى ؟ ! وهذه الغيرة على حرمات الله ، والشعور بالتكليف المباشر بصيانتها والدفع عنها للنجاة من الله . . هذا كله هو قوام الجماعة المسلمة الذي لا قيام لها إلا به . .
وهذا كله في حاجة إلى الإيمان الصحيح بالله ؛ ومعرفة تكاليف هذا الإيمان . وإلى الإدراك الصحيح لمنهج الله ؛ ومعرفة أنه يشمل كل جوانب الحياة . وإلى الجد في أخذ العقيدة بقوة ، والجهد لإقامة المنهج الذي ينبثق منها في حياة المجتمع كله . . فالمجتمع المسلم الذي يستمد قانونه من شريعة الله ؛ ويقيم حياته كلها على منهجه ؛ هو المجتمع الذي يسمح للمسلم أن يزاول حقيقة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ؛ بحيث لا يصبح هذا عملا فرديا ضائعا في الخضم ؛ أو يجعله غير ممكن أصلا في كثير من الأحيان ! كما هو الحال في المجتمعات الجاهلية القائمة اليوم في أرجاء الأرض ؛ والتي تقيم حياتها على تقاليد ومصطلحات اجتماعية تسترذل تدخل أحد في شأن أحد ؛ وتعتبر الفسق والفجور والمعصية " مسائل شخصية " ! ليس لأحد أن يتدخل في شأنها . . كما تجعل من الظلم والبطش والاعتداء والجور سيفا مصلتا من الإرهاب يلجم الأفواه ، ويعقد الألسنة ، وينكل بمن يقول كلمة حق أو معروف في وجه الطغيان . .
إن الجهد الأصيل ، والتضحيات النبيلة يجب أن تتجه أولا إلى إقامة المجتمع الخير . . والمجتمع الخير هو الذي يقوم على منهج الله . . قبل أن ينصرف الجهد والبذل والتضحية إلى إصلاحات جزئية ، شخصية وفردية ؛ عن طريق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
إنه لا جدوى من المحاولات الجزئية حين يفسد المجتمع كله ؛ وحين تطغى الجاهلية ، وحين يقوم المجتمع على غير منهج الله ؛ وحيت يتخذ له شريعة غير شريعة الله . فينبغي عندئذ أن تبدأ المحاولة من الأساس ، وأن تنبت من الجذور ؛ وأن يكون الجهد والجهاد لتقرير سلطان الله في الأرض . . وحين يستقر هذا السلطان يصبح الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر شيئا يرتكن إلى أساس .
وهذا يحتاج إلى إيمان . وإلى إدراك لحقيقة هذا الإيمان ومجاله في نظام الحياة . فالايمان على هذا المستوى هو الذي يجعل الاعتماد كله على الله ؛ والثقة كلها بنصرته للخير - مهما طال الطريق - واحتساب الأجر عنده ، فلا ينتظر من ينهض لهذه المهمة جزاء في هذه الأرض ، ولا تقديرا من المجتمع الضال ، ولا نصرة من أهل الجاهلية في أي مكان !
إن كل النصوص القرآنية والنبوية التي ورد فيها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كانت تتحدث عن واجب المسلم في مجتمع مسلم . مجتمع يعترف ابتداء بسلطان الله ، ويتحاكم إلى شريعته ، مهما وجد فيه من طغيان الحكم ، في بعض الأحيان ، ومن شيوع الإثم في بعض الأحيان . . وهكذا نجد في قول الرسول [ ص ] : " أفضل الجهاد كلمة حق عند إمام جائر " . . فهو " إمام " ولا يكون إماما حتى يعترف ابتداء بسلطان الله ؛ وبتحكيم شريعته . فالذي لا يحكم شريعة الله لا يقال له : " إمام " إنما يقول عنه الله - سبحانه - ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ) . .
فأما المجتمعات الجاهلية التي لا تتحاكم إلى شريعة الله ، فالمنكر الأكبر فيها والأهم ، فهو المنكر الذي تنبع منه كل المنكرات . . هو رفض ألوهية الله برفض شريعته للحياة . . وهذا المنكر الكبير الأساسي الجذري هو الذي يجب أن يتجه إليه الإنكار ، قبل الدخول في المنكرات الجزئية ، التي هي تبع لهذا المنكر الأكبر ، وفرع عنه ، وعرض له . .
إنه لا جدوى من ضياع الجهد . . جهد الخيرين الصالحين من الناس . . في مقاومة المنكرات الجزئية ، الناشئة بطبيعتها من المنكر الأول . . منكر الجرأة على الله وادعاء خصائص الألوهية ، ورفض ألوهية الله ، برفض شريعته للحياة . . لا جدوى من ضياع الجهد في مقاومة منكرات هي مقتضيات ذلك المنكر الأول وثمراته النكدة بلا جدال .
على أنه إلام نحاكم الناس في أمر ما يرتكبونه من منكرات ؟ بأي ميزان نزن أعمالهم لنقول لهم : إن هذا منكر فاجتنبوه ؟ أنت تقول : إن هذا منكر ؛ فيطلع عليك عشرة من هنا ومن هناك يقولون لك : كلا ! ليس هذا منكرا . لقد كان منكرا في الزمان الخالي ! والدنيا " تتطور " ، والمجتمع " يتقدم " وتختلف الاعتبارات !
فلا بد إذن من ميزان ثابت نرجع إليه بالأعمال ، ولا بد من قيم معترف بها نقيس إليها المعروف والمنكر . فمن أين نستمد هذه القيم ؟ ومن أين نأتي بهذا الميزان ؟
من تقديرات الناس وعرفهم وأهوائهم وشهواتهم - وهي متقلبة لا تثبت على حال ؟ إننا ننتهي إذن إلى متاهة لا دليل فيها ، وإلى خضم لا معالم فيه !
فلا بد ابتداء من إقامة الميزان . . ولا بد أن يكون هذا الميزان ثابتا لا يتأرجح مع الأهواء . .
هذا الميزان الثابت هو ميزان الله . .
فماذا إذا كان المجتمع لا يعترف - ابتداء - بسلطان الله ؟ ماذا إذا كان لا يتحاكم إلى شريعة الله ؟ بل ماذا إذا كان يسخر ويهزأ ويستنكر وينكل بمن يدعوه إلى منهج الله ؟
ألا يكون جهدا ضائعا ، وعبثا هازلا ، أن تقوم في مثل هذا المجتمع لتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ، في جزئيات وجانبيات من شئون الحياة ، تختلف عليها الموازين والقيم ، وتتعارض فيها الآراء والأهواء ؟ !
إنه لا بد من الاتفاق مبدئيا على حكم ، وعلى ميزان ، وعلى سلطان ، وعلى جهة يرجع إليها المختلفون في الآراء والأهواء . .
لا بد من الأمر بالمعروف الأكبر وهو الاعتراف بسلطان الله ومنهجه للحياة . والنهي عن المنكر الأكبر وهو رفض ألوهية الله برفض شريعته للحياة . . وبعد إقامة الأساس يمكن أن يقام البنيان ! فلتوفر الجهود المبعثرة إذن ، ولتحشد كلها في جبهة واحدة ، لإقامة الأساس الذي عليه وحده يقام البنيان !
وإن الإنسان ليرثي أحيانا ويعجب لأناس طيبين ، ينفقون جهدهم في " الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر " في الفروع ؛ بينما الأصل الذي تقوم عليه حياة المجتمع المسلم ؛ ويقوم عليه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، مقطوع !
فما غناء أن تنهي الناس عن أكل الحرام مثلا في مجتمع يقوم اقتصاده كله على الربا ؛ فيستحيل ماله كله حراما ؛ ولا يملك فرد فيه أن يأكل من حلال . . لأن نظامه الاجتماعي والاقتصادي كله لا يقوم على شريعة الله . لأنه ابتداء يرفض ألوهية الله برفض شريعته للحياة ؟ !
وما غناء أن تنهي الناس عن الفسق مثلا في مجتمع قانونه لا يعتبر الزنا جريمة - إلا في حالة الإكراه - ولا يعاقب حتى في حالة الإكراه بشريعة الله . . لأنه ابتداء يرفض ألوهية الله برفض شريعته للحياة ؟ !
وما غناء أن تنهى الناس عن السكر في مجتمع قانونه يبيح تداول وشرب الخمر ، ولا يعاقب إلا على حالة السكر البين في الطريق العام . وحتى هذه لا يعاقب فيها بحد الله . لأنه لا يعترف ابتداء بحاكمية الله ؟ !
وما غناء أن تنهى الناس عن سب الدين ؛ في مجتمع لا يعترف بسلطان الله ؛ ولا يعبد فيه الله . إنما هو يتخذ أربابا من دونه ؛ ينزلون له شريعته وقانونه ؛ ونظامه وأوضاعه ، وقيمة وموازينه . والساب والمسبوب كلاهما ليس في دين الله . إنما هما وأهل مجتمعهما طرا في دين من ينزلون لهم الشرائع والقوانين ؛ ويضعون لهم القيم والموازين ؟ !
ما غناء الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في مثل هذه الأحوال ؟ ما غناء النهي عن هذه الكبائر - فضلا عن أن يكون النهي عن الصغائر - والكبيرة الكبرى لا نهي عنها . . كبيرة الكفر بالله ؛ برفض منهجه للحياة ؟ !
إن الأمر أكبر وأوسع وأعمق ، مما ينفق فيه هؤلاء " الطيبون " جهدهم وطاقتهم واهتمامهم . . إنه - في هذه المرحلة - ليس أمر تتبع الفرعيات - مهما تكن ضخمة حتى ولو كانت هي حدود الله . فحدود الله تقوم ابتداء على الاعتراف بحاكمية الله دون سواه . فإذا لم يصبح هذا الاعتراف حقيقة واقعة ؛ تتمثل في اعتبار شريعة الله هي المصدر الوحيد للتشريع ؛ واعتبار ربوبية الله وقوامته هي المصدر الوحيد للسلطة . . فكل جهد في الفروع ضائع ؛ وكل محاولة في الفروع عبث . . والمنكر الأكبر أحق بالجهد والمحاولة من سائر المنكرات . .
والرسول [ ص ] يقول : " من رأى منكم منكرا فليغيره بيده . فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه . وذلك أضعف الإيمان " . .
وقد يجيء على المسلمين زمان لا يستطيعون فيه تغيير المنكر بأيديهم ؛ ولا يستطيعون فيه تغيير المنكر بألسنتهم ؛ فيبقى أضعف الإيمان ؛ وهو تغييره بقلوبهم ؛ وهذا ما لا يملك أحد أن يحول بينهم وبينه ، إن هم كانوا حقا على الإسلام !
وليس هذا موقفا سلبيا من المنكر - كما يلوح في بادىء الأمر - وتعبير الرسول [ ص ] بأنه تغيير دليل على أنه عمل إيجابي في طبيعته . فإنكار المنكر بالقلب ، معناه احتفاظ هذا القلب بإيجابيته تجاه المنكر . . إنه ينكره ويكرهه ولا يستسلم له ، ولا يعتبره الوضع الشرعي الذي يخضع له ويعترف به . . وإنكار القلوب لوضع من الأوضاع قوة إيجابية لهدم هذا الوضع المنكر ، ولإقامة الوضع " المعروف " في أول فرصة تسنح ، وللتربص بالمنكر حتى تواتي هذه الفرصة . . وهذا كله عمل إيجابي في التغيير . . وهو على كل حال أضعف الإيمان . فلا أقل من أن يحتفظ المسلم بأضعف الإيمان ! أما الاستسلام للمنكر لأنه واقع ، ولأن له ضغطا - قد يكون ساحقا - فهو الخروج من آخر حلقة ، والتخلي حتى عن أضعف الإيمان ! هذا وإلا حقت على المجتمع اللعنة التي حقت على بني إسرائيل :
( لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم . ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون . كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه . لبئس ما كانوا يفعلون ! ) . .
ثم بين حالهم فيما كانوا يعتمدونه في زمانهم ، فقال : { كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ } أي : كان لا ينهي أحد منهم أحدًا عن ارتكاب المآثم والمحارم ، ثم ذمهم على ذلك ليحذر أن يُرْكَبَ مثل الذي{[10161]} ارتكبوا ، فقال : { لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ }
والأحاديث في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كثيرة جدًّا ، ولنذكر منها ما يناسب هذا المقام .
[ و ]{[10162]} قد تقدم حديث جرير عند قوله [ تعالى ]{[10163]} { لَوْلا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأحْبَارُ } [ المائدة : 63 ] ، وسيأتي عند قوله : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ } [ المائدة : 105 ] ، حديثُ أبي بكر الصديق وأبي ثعلبة الخُشَنِي [ رضي الله عنهما ]{[10164]} - فقال الإمام أحمد :
حدثنا سليمان الهاشمي ، أنبأنا إسماعيل بن جعفر ، أخبرني عمرو بن أبي عمرو ، عن عبد الله بن عبد الرحمن الأشهلي ، عن حذيفة بن اليمان ؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " والذي نَفْسِي بيده لتَأمُرُنَّ بالمعروف ولَتَنْهَوُنَّ عن المُنْكَرِ ، أو ليُوشِكَنَّ الله أن يبعث عليكم عِقابًا من عنده ، ثم لتدعنه فلا يستجيب لكم " .
ورواه الترمذي عن علي بن حجر ، عن إسماعيل بن جعفر ، به . وقال : هذا حديث حسن{[10165]}
وقال أبو عبد الله محمد بن يزيد بن ماجه : حدثنا أبو بكر بن أبي شَيْبَة ، حدثنا معاوية بن هشام ، عن هشام بن سعد ، عن عمرو بن عثمان ، عن عاصم بن عمر بن عثمان ، عن عروَة ، عن عائشة قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " مُروا بالمعروف ، وانْهَوْا عن المنكر ، قبل أن تَدْعوا فلا يستجاب لكم " . تفرد به ، وعاصم هذا مجهول . {[10166]}
وفي الصحيح من طريق الأعمش ، عن إسماعيل بن رَجاء ، عن أبيه ، عن سعيد - وعن قيس بن مسلم ، عن طارق بن شهاب ، عن أبي سعيد الخدري - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من رأى منكم مُنْكَرًا فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان " {[10167]} رواه مسلم .
وقال الإمام أحمد : حدثنا ابن نُمَيْر ، حدثنا سَيْف - هو ابن أبي سليمان سمعت عَدِيّ بن عدي الكندي يحدث عن مجاهد قال : حدثني مولى لنا أنه سمع جدي - يعني : عدي بن عميرة ، رضي الله عنه - يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن الله{[10168]} لا يُعذِّب العامَّة بعَمَلِ الخاصة ، حتى يَرَوا المنكر بين ظَهْرانيْهِم ، وهم قادرون على أن ينكروه . فلا ينكرونه فإذا فعلوا ذلك عَذَّبَ الله العامة والخاصة " .
ثم رواه أحمد ، عن أحمد بن الحجاج ، عن عبد الله بن المبارك ، عن سيف بن أبي سليمان ، عن عدي{[10169]} بن عدي الكندي ، حدثني مولى لنا أنه سمع جدي يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ، فذكره . هكذا رواه الإمام أحمد من هذين الوجهين . {[10170]}
وقال أبو داود : حدثنا محمد بن{[10171]} العلاء ، حدثنا أبو بكر ، حدثنا مُغِيرة بن زياد الموصلي ، عن عَدِيّ بن عدي ، عن العُرْس - يعني ابن عَميرة - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا عملت الخطيئة في الأرض كان من شَهِدَها فكَرِهَها - وقال مرة : فأنكرها - كان كمن غاب عنها ، ومن غاب عنها فَرَضِيَها كان كمن شهدها . "
تفرد به أبو داود ، ثم رواه عن أحمد بن يونس ، عن أبي شهاب ، عن مغيرة بن زياد ، عن عدي بن عدي ، مرسلا . {[10172]}
[ و ]{[10173]} قال أبو داود : حدثنا سليمان بن حرب وحفص بن عمر قالا حدثنا شعبة - وهذا لفظه - عن عمرو بن مرة ، عن أبي البَخْتَري قال : أخبرني من سمع النبي صلى الله عليه وسلم - وقال سليمان : حدثني رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم - قال : " لن يهلك الناس حتى يعْذِروا - أو : يُعْذِروا - من أنفسهم " . {[10174]}
وقال ابن ماجه : حدثنا عمران بن موسى ، حدثنا حماد بن زيد ، حدثنا علي بن زيد بن جُدْعان ، عن أبي نَضْرَة ، عن أبي سعيد الخدري ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام خطيبًا ، فكان فيما قال : " ألا لا يمنعن{[10175]} رجلا هَيْبَةُ الناس أن يقول الحق إذا علمه " . قال : فبكى أبو سعيد وقال : قد - والله - رأينا أشياء ، فَهِبْنَا . {[10176]}
وفي حديث إسرائيل : عن محمد بن حجادة ، عن عطية ، عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أفضل الجهاد كلمة حق{[10177]} عند سلطان جائر " .
رواه أبو داود ، والترمذي ، وابن ماجه ، وقال الترمذي : حسن غريب من هذا الوجه . {[10178]}
وقال ابن ماجه : حدثنا راشد بن سعيد الرملي ، حدثنا الوليد بن مسلم ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن أبي غالب ، عن أبي أمامة{[10179]} قال : عَرَض لرسول الله صلى الله عليه وسلم رجلٌ عند الجَمْرة الأولى فقال : يا رسول الله ، أيّ الجهاد أفضل ؟ فسكت عنه . فلما رَمَى الجمرة الثانية سأله ، فسكت عنه . فلما رمى جمرة العَقَبة ، ووضع رجله في الغَرْز ليركب ، قال : " أين السائل ؟ " قال : أنا يا رسول الله ، قال : " كلمة حق تقال عند ذي سلطان جائر " . تفرد به . {[10180]}
وقال ابن ماجه : حدثنا أبو كُرَيْب ، حدثنا عبد الله بن نُمَيْر وأبو معاوية ، عن الأعمش ، عن عمرو بن مُرَّة ، عن أبي البَخْترِي ، عن
أبي سعيد{[10181]} قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يَحْقِر أحدكم
نفسه " . قالوا : يا رسول الله ، كيف يحقر أحدنا نفسه ؟ . قال : " يرى أمرًا لله فيه مَقَال ، ثم لا يقول فيه . فيقول الله له يوم القيامة : ما منعك أن تقول فيّ كذا وكذا وكذا ؟ فيقول : خَشْيَةَ الناس ، فيقول : فإياي كنت أحق أن تَخْشَى " . تفرد به . {[10182]}
وقال أيضا : حدثنا علي بن محمد ، حدثنا محمد بن فُضَيل ، حدثنا يحيى بن سعيد ، حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن أبو طُوَالة ، حدثنا نَهَارُ العَبْدِيّ ؛ أنه سمع أبا سعيد الخدري يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن الله ليسأل العبد يوم القيامة ، حتى يقول : ما منعك إذ{[10183]} رأيت المنكر أن تنكره ؟ فإذا لَقَّنَ{[10184]} الله عبدًا حجته ، قال : يا رب ، رَجَوْتُكَ وفَرقْتُ من الناس " . تفرد به أيضًا ابن ماجه ، {[10185]} وإسناده لا بأس به .
وقال الإمام أحمد : حدثنا عمرو بن عاصم ، عن حماد{[10186]} بن سلمة ، عن علي بن زيد ، عن الحسن ، عن جُنْدَب ، عن حذيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا ينبغي لمسلم أن يذل نفسه " . قيل : وكيف يذل نفسه ؟ قال : " يتعرض من البلاء لما لا يطيق " .
وكذا رواه الترمذي وابن ماجه جميعًا ، عن محمد بن بَشَّار ، عن عمرو بن عاصم ، به . وقال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح غريب . {[10187]}
وقال ابن ماجه : حدثنا العباس بن{[10188]} الوليد الدمشقي ، حدثنا زيد بن يحيى بن عُبَيد الخُزَاعي ، حدثنا الهيثم بن حميد ، حدثنا أبو مَعْبَد حفص بن غَيْلان{[10189]} الرُّعَيني ، عن مكحول ، عن أنس بن مالك قال : قيل : يا رسول الله ، متى يترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ؟ قال : " إذا ظَهَر فيكم ما ظَهَر في الأمم قبلكم " . قلنا : يا رسول الله ، وما ظهر في الأمم قبلنا ؟ قال : " المُلْك في صغاركم ، والفاحشة في كباركم ، والعلم في رُذالكم " . قال زيد : تفسير معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم : " " والعلم في رُذالكم " : إذا كان العلم في الفُسَّاق .
تفرد به ابن ماجه{[10190]} وسيأتي في حديث أبي ثَعْلَبة ، عند قوله : { لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ } [ المائدة : 105 ] شاهد لهذا ، إن شاء الله تعالى وبه الثقة .
{ كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ } . .
يقول تعالى ذكره : كان هؤلاء اليهود الذين لعنهم الله لا يَتَنَاهَوْنَ يقول : لا ينتهون عن منكر فعلوه ، ولا ينهى بعضهم بعضا . ويعني بالمنكر : المعاصي التي كانوا يعصون الله بها . فتأويل الكلام : كانوا لا ينتهون عن منكر أتوه ، لبْئْسَ ما كَانُوا يَفْعَلُونَ وهذا قسم من الله تعالى ذكره ، يقول : أقسم لبِئس الفعل كانوا يفعلون في تركهم الانتهاء عن معاصي الله تعالى وركوب محارمه وقتل أنبياء الله ورسله كما :
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج : كانُوا لا يَتَناهْوَنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لا تتناهى أنفسهم بعد أن وقعوا في في الكفر .
ذم الله تعالى هذه الفرقة الملعونة بأنهم { كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه } أي إنهم كانوا يتجاهرون بالمعاصي وإن نهى منهم ناه فعن غير جد ، بل كانوا لا يمتنع الممسك منهم عن مواصلة العاصي ومؤاكلته وخلطته ، وروى ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إن الرجل من بني إسرائيل كان إذا رأى أخاه على ذنب نهاه عنه تعزيراً ، فإذا كان من الغد لم يمنعه ما رأى منه أن يكون خليطه وأكيله ، فلما رأى الله ذلك منهم ضرب بقلوب بعضهم على بعض ولعنهم على لسان نبيهم داود وعيسى ، قال ابن مسعود : وكان رسول الله متكئاً فجلس ، وقال : لا والله حتى تأخذوا على يدي الظالم فتأطروه على الحق أطراً »{[4649]} .
قال القاضي أبو محمد : والإجماع على أن النهي عن المنكر واجب لمن أطاقه ونهى بمعروف وَأِمن الضرر عليه وعلى المسلمين ، فإن تعذر على أحد النهي لشيء من هذه الوجوه ففرض عليه الإنكار بقلبه وأن لا يخالط ذا المنكر ، وقال حذاق أهل العلم : ليس من شروط الناهي أن يكون سليماً من المعصية ، بل ينهى العصاة بعضهم بعضاً ، وقال بعض الأصوليين فرض على الذين يتعاطون الكؤوس أن ينهى بعضهم بعضاً . واستدل قائل هذه المقالة بهذه الآية ، لأن قوله { يتناهون } و { فعلوه } يقتضي اشتراكهم في الفعل وذمهم على ترك التناهي . وقوله تعالى { لبئس ما كانوا يفعلون } اللام لام قسم ، جعل الزجاج { ما } مصدرية وقال : التقدير لبئس شيئاً فعلهم .
قال القاضي أبو محمد : وفي هذا نظر ، وقال غيره { ما } نكرة موصوفة ، التقدير : لبئس الشيء{[4650]} الذي كانوا يفعلون فعلاً .
وجملة { كانوا لا يتناهَوْن عن منكر فعلوه } مستأنفة استئنافاً بيانياً جواباً لسؤال ينشأ عن قوله : { ذلك بما عَصوا } ، وهو أن يقال كيفَ تكون أمّة كلّها مُتمالئة على العصيان والاعتداء ، فقال : { كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه } . وذلك أن شأن المناكر أن يبتدئها الواحد أنّ النّفَر القليل ، فإذا لم يجدوا من يغيِّر عليهم تزايدوا فيها ففشت واتّبَع فيها الدّهماءُ بعضهم بعضاً حتّى تعمّ ويُنسى كونها مناكرَ فلا يَهتدي النّاس إلى الإقلاع عنها والتّوبةِ منها فتصيبهم لعنة الله . وقد روى التّرمذي وأبو داوود من طرق عن عبد الله بن مسعود بألفاظ متقاربة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « كانَ الرجل من بني إسرائيل يلقَى الرجل إذا رآه على الذنب فيقول : يا هذا اتّقِ الله ودَع ما تصنع ، ثمّ يلقاه من الغد فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيلَه وخليطَه وشريكَه ، فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض ولعنهم على لسان داوود وعيسى ابن مريم ، ثُمّ قرأ : { لُعن الّذين كفروا من بني إسرائيل إلى قوله : فَاسقون } [ المائدة : 78 81 ] ثُمّ قال : والّذي نفسي بيده لتأمُرُنّ بالمعروف ولَتَنْهَوُنّ عن المنكر ولتأخُذُنّ على يد الظّالم ولتأطُرُنَّهُ على الحقّ أطْرا أوْ لَيضربَنّ الله قلوبَ بعضكم على بعض أو ليلعنُكم كما لَعنهم » .
وأطلق التناهي بصيغة المفاعلة على نهي بعضهم بعضاً باعتبار مجموع الأمّة وأنّ نَاهيَ فاعل المنكر منهم هو بصدد أن يَنهاه المنهيّ عندما يرتكب هو مُنكراً فيحصل بذلك التّناهي . فالمفاعلة مقدّرة وليست حقيقيَّة ، والقرينة عموم الضّمير في قوله { فَعلوه } ، فإنّ المنكر إنّما يفعله بعضهم ويسكُت عليه البعض الآخر ؛ وربّما فعل البعضُ الآخر منكراً آخرَ وسَكت عليه البعض الّذي كان فعَل منكراً قبله وهكذا ، فهم يصانعون أنفسهم .
والمراد ب { ما كانوا يفعلون } تَرْكُهم التناهيَ .
وأطلق على ترك التناهي لفظ الفِعل في قوله { لبئس ما كانوا يفعلون } مع أنّه ترك ، لأنّ السكوت على المنكر لا يخلو من إظهار الرّضا به والمشاركة فيه .
وفي هذا دليل للقائلين من أيمّة الكلام من الأشاعرة بأنّه لا تكليف إلاّ بفعل ، وأنّ المكلّف به في النّهي فِعْل ، وهو الانتهاء ، أي الكفّ ، والكفّ فعل ، وقد سمّى الله الترك هنا فِعلاً . وقد أكّد فعل الذّم بإدخال لام القسم عليه للإقصاء في ذمّة .