تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي  
{كَانُواْ لَا يَتَنَاهَوۡنَ عَن مُّنكَرٖ فَعَلُوهُۚ لَبِئۡسَ مَا كَانُواْ يَفۡعَلُونَ} (79)

ومن معاصيهم التي أحلت بهم المثلات ، وأوقعت بهم العقوبات أنهم : { كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ } أي : كانوا يفعلون المنكر ، ولا ينهى بعضهم بعضا ، فيشترك بذلك المباشر ، وغيره الذي سكت عن النهي عن المنكر مع قدرته على ذلك .

وذلك يدل على تهاونهم بأمر الله ، وأن معصيته خفيفة عليهم ، فلو كان لديهم تعظيم لربهم لغاروا لمحارمه ، ولغضبوا لغضبه ، وإنما كان السكوت عن المنكر -مع القدرة- موجبا للعقوبة ، لما فيه من المفاسد العظيمة :

منها : أن مجرد السكوت ، فعل معصية ، وإن لم يباشرها الساكت . فإنه -كما يجب اجتناب المعصية- فإنه يجب الإنكار على من فعل المعصية .

ومنها : ما تقدم أنه يدل على التهاون بالمعاصي ، وقلة الاكتراث بها .

ومنها : أن ذلك يجرئ العصاة والفسقة على الإكثار من المعاصي إذا لم يردعوا عنها ، فيزداد الشر ، وتعظم المصيبة الدينية والدنيوية ، ويكون لهم الشوكة والظهور ، ثم بعد ذلك يضعف أهل الخير عن مقاومة أهل الشر ، حتى لا يقدرون على ما كانوا يقدرون عليه أوَّلًا .

ومنها : أن - في ترك {[274]} الإنكار للمنكر- يندرس العلم ، ويكثر الجهل ، فإن المعصية- مع تكررها وصدورها من كثير من الأشخاص ، وعدم إنكار أهل الدين والعلم لها - يظن أنها ليست بمعصية ، وربما ظن الجاهل أنها عبادة مستحسنة ، وأي مفسدة أعظم من اعتقاد ما حرَّم الله حلالا ؟ وانقلاب الحقائق على النفوس ورؤية الباطل حقا ؟ "

ومنها : أن السكوت{[275]}  على معصية العاصين ، ربما تزينت المعصية في صدور الناس ، واقتدى بعضهم ببعض ، فالإنسان مولع بالاقتداء بأضرابه وبني جنسه ، ومنها ومنها .

فلما كان السكوت عن الإنكار بهذه المثابة ، نص الله تعالى أن بني إسرائيل الكفار منهم لعنهم بمعاصيهم واعتدائهم ، وخص من ذلك هذا المنكر العظيم .

{ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ }


[274]:- كذا في ب، وفي أ: أن في ترك.
[275]:- كذا في ب، وفي أ: السكوت