الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{كَانُواْ لَا يَتَنَاهَوۡنَ عَن مُّنكَرٖ فَعَلُوهُۚ لَبِئۡسَ مَا كَانُواْ يَفۡعَلُونَ} (79)

ثم فسر المعصية والاعتداء بقوله : { كَانُواْ لاَ يتناهون } لا ينهى بعضهم بعضاً { عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ } ثم قال : { لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ } للتعجيب من سوء فعلهم ، مؤكداً لذلك بالقسم ، فيا حسرة على المسلمين في إعراضهم عن باب التناهي عن المناكير ، وقلة عبثهم به ، كأنه ليس من ملة الإسلام في شيء مع ما يتلون من كلام الله وما فيه من المبالغات في هذا الباب . فإن قلت كيف وقع ترك التناهي عن المنكر تفسيراً للمعصية والاعتداء ؟ قلت : من قبل أنّ الله تعالى أمر بالتناهي ، فكان الإخلال به معصية وهو اعتداء ، لأنّ في التناهي حسماً للفساد فكان تركه على عكسه .

فإن قلت : ما معنى وصف المنكر بفعلوه ، ولا يكون النهي بعد الفعل ؟ قلت : معناه لا يتناهون عن معاودة منكر فعلوه ، أو عن مثل منكر فعلوه ، أو عن منكر أرادوا فعله ، كما ترى أمارات الخوض في الفسق وآلاته تسوّى وتهيأ فتنكر . ويجوز أن يراد : لا ينتهون ولا يمتنعون عن منكر فعلوه ، بل يصبرون عليه ويداومون على فعله . يقال : تناهى عن الأمر وانتهى عنه إذا امتنع منه وتركه .