المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية  
{كَانُواْ لَا يَتَنَاهَوۡنَ عَن مُّنكَرٖ فَعَلُوهُۚ لَبِئۡسَ مَا كَانُواْ يَفۡعَلُونَ} (79)

ذم الله تعالى هذه الفرقة الملعونة بأنهم { كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه } أي إنهم كانوا يتجاهرون بالمعاصي وإن نهى منهم ناه فعن غير جد ، بل كانوا لا يمتنع الممسك منهم عن مواصلة العاصي ومؤاكلته وخلطته ، وروى ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إن الرجل من بني إسرائيل كان إذا رأى أخاه على ذنب نهاه عنه تعزيراً ، فإذا كان من الغد لم يمنعه ما رأى منه أن يكون خليطه وأكيله ، فلما رأى الله ذلك منهم ضرب بقلوب بعضهم على بعض ولعنهم على لسان نبيهم داود وعيسى ، قال ابن مسعود : وكان رسول الله متكئاً فجلس ، وقال : لا والله حتى تأخذوا على يدي الظالم فتأطروه على الحق أطراً »{[4649]} .

قال القاضي أبو محمد : والإجماع على أن النهي عن المنكر واجب لمن أطاقه ونهى بمعروف وَأِمن الضرر عليه وعلى المسلمين ، فإن تعذر على أحد النهي لشيء من هذه الوجوه ففرض عليه الإنكار بقلبه وأن لا يخالط ذا المنكر ، وقال حذاق أهل العلم : ليس من شروط الناهي أن يكون سليماً من المعصية ، بل ينهى العصاة بعضهم بعضاً ، وقال بعض الأصوليين فرض على الذين يتعاطون الكؤوس أن ينهى بعضهم بعضاً . واستدل قائل هذه المقالة بهذه الآية ، لأن قوله { يتناهون } و { فعلوه } يقتضي اشتراكهم في الفعل وذمهم على ترك التناهي . وقوله تعالى { لبئس ما كانوا يفعلون } اللام لام قسم ، جعل الزجاج { ما } مصدرية وقال : التقدير لبئس شيئاً فعلهم .

قال القاضي أبو محمد : وفي هذا نظر ، وقال غيره { ما } نكرة موصوفة ، التقدير : لبئس الشيء{[4650]} الذي كانوا يفعلون فعلاً .


[4649]:- أخرجه عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وأبو داود، والترمذي،وحسنه، وابن ماجة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، والبيهقي-عن ابن مسعود- وقد روى هذا الحديث من طرق كثيرة. وأحاديث في هذا الباب كثيرة. (فتح القدير. الدر المنثور).
[4650]:- في بعض النسخ سقطت كلمة (الشيء) والمعنى صحيح.