تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَلَوۡ أَنَّآ أَهۡلَكۡنَٰهُم بِعَذَابٖ مِّن قَبۡلِهِۦ لَقَالُواْ رَبَّنَا لَوۡلَآ أَرۡسَلۡتَ إِلَيۡنَا رَسُولٗا فَنَتَّبِعَ ءَايَٰتِكَ مِن قَبۡلِ أَن نَّذِلَّ وَنَخۡزَىٰ} (134)

وإنما الفائدة في سوقها إليهم ومخاطبتهم بها ، لتقوم عليهم حجة الله ، ولئلا يقولوا حين ينزل بهم العذاب : { لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى } بالعقوبة ، فها قد جاءكم رسولي ومعه آياتي وبراهيني ، فإن كنتم كما تقولون ، فصدقوه .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَلَوۡ أَنَّآ أَهۡلَكۡنَٰهُم بِعَذَابٖ مِّن قَبۡلِهِۦ لَقَالُواْ رَبَّنَا لَوۡلَآ أَرۡسَلۡتَ إِلَيۡنَا رَسُولٗا فَنَتَّبِعَ ءَايَٰتِكَ مِن قَبۡلِ أَن نَّذِلَّ وَنَخۡزَىٰ} (134)

99

ولقد أعذر الله للمكذبين فأرسل إليهم خاتم المرسلين [ ص ]

( ولو أنا أهلكناهم بعذاب من قبله لقالوا : ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا ، فنتبع آياتك من قبل أن نذل ونخزى ) . .

وهم لم يذلوا ولم يخزوا لحظة أن كان هذا النص يتلى عليهم . إنما هو تصوير لمصيرهم المحتوم . الذي يذلون فيه ويخزون : فلعلهم حينذاك قائلون : ا أرسلت إلينا رسولا . . . )فها هي ذي الحجة قد قطعت عليهم ، فلم يعد لهم من عذر ولا عذير !

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَلَوۡ أَنَّآ أَهۡلَكۡنَٰهُم بِعَذَابٖ مِّن قَبۡلِهِۦ لَقَالُواْ رَبَّنَا لَوۡلَآ أَرۡسَلۡتَ إِلَيۡنَا رَسُولٗا فَنَتَّبِعَ ءَايَٰتِكَ مِن قَبۡلِ أَن نَّذِلَّ وَنَخۡزَىٰ} (134)

ثم قال تعالى : { وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولا } أي : لو أنا أهلكنا هؤلاء المكذبين قبل أن نرسل{[19593]} إليهم هذا الرسول الكريم ، وننزل عليهم هذا الكتاب العظيم لكانوا قالوا : { رَبَّنَا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولا } قبل أن تهلكنا ، حتى نؤمن به ونتبعه ؟ كما قال : { فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى } ، يبين تعالى أن هؤلاء المكذبين متعنتون معاندون لا يؤمنون { وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الألِيمَ } [ يونس : 97 ] ، كما قال تعالى : { وَهَذَا كِتَابٌ أَنزلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ * أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنزلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنزلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آيَاتِنَا سُوءَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يَصْدِفُونَ } [ الأنعام : 155 - 157 ] وقال : { وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الأمَمِ فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَا زَادَهُمْ إِلا نُفُورًا } [ فاطر : 42 ] وقال : { وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ } [ الأنعام : 109 ، 110 ] .


[19593]:في ف، أ: "يرسل".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَلَوۡ أَنَّآ أَهۡلَكۡنَٰهُم بِعَذَابٖ مِّن قَبۡلِهِۦ لَقَالُواْ رَبَّنَا لَوۡلَآ أَرۡسَلۡتَ إِلَيۡنَا رَسُولٗا فَنَتَّبِعَ ءَايَٰتِكَ مِن قَبۡلِ أَن نَّذِلَّ وَنَخۡزَىٰ} (134)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَلَوْ أَنّآ أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مّن قَبْلِهِ لَقَالُواْ رَبّنَا لَوْلآ أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتّبِعَ آيَاتِكَ مِن قَبْلِ أَن نّذِلّ وَنَخْزَىَ } .

يقول تعالى ذكره : ولو أنا أهلكنا هؤلاء المشركين الذين يكذّبون بهذا القرآن من قبل أن ننزله عليهم ، ومن قبل أن نبعث داعيا يدعوهم إلى ما فرضنا عليهم فيه بعذاب ننزله بهم بكفرهم بالله ، لقالوا يوم القيامة ، إذ وردوا علينا ، فأردنا عقابهم : ربنا هلا أرسلت إلينا رسولاً يدعونا إلى طاعتك ، فنتبع آياتك يقول : فنتبع حجتك وأدلتك وما تنزله عليه من أمرك ونهيك من قبل أن نذلّ بتعذبيك إيانا ونخزى به ، كما : حدثني الفضل بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو قتيبة سلم بن قتيبة ، عن فضيل بن مرزوق ، عن عطية العوفي ، عن أبي سعيد الخُدريّ ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : «يَحْتَجّ عَلى اللّهِ يَوْمَ القيامَةِ ثَلاثَةٌ : الهَالِكُ فِي الفَتْرَةِ ، والمَغْلُوبُ عَلى عَقْلهِ ، والصّبيّ الصّغيرُ ، فَيَقُولُ المَغْلُوبُ عَلى عَقْلِه : لَمْ تَجْعَلْ لي عَقْلاً أنْتَفِع بهِ ، وَيَقُولُ الهَالِكُ فِي الفتْرَةِ : لَمْ يأْتِني رَسُولٌ وَلا نَبيّ ، وَلَوْ أتانِي لَكَ رَسُولٌ أوْ نَبيّ لَكُنْتُ أطْوَعَ خَلْقِكَ لَكَ . وقرأ : لَوْلا أرْسَلْتَ إلَيْنا رَسُولاً ويَقُولُ الصّبِيّ الصّغِيرُ : كُنْتُ صَغِيرا لا أعْقِلُ » قالَ : «فَتُرْفَعُ لَهُمْ نارٌ وَيُقالُ لَهُمْ : رِدُوها » قال : «فَيرِدُها مَنْ كانَ فِي علْمِ اللّهِ أنّه سَعيدٌ ، وَيَتَلَكّأُ عَنْها مَنْ كانَ فِي عِلْمِ اللّهِ أنّهُ شَقِيّ ، فَيَقُولُ : إيّايَ عَصَيْتُمْ ، فَكَيْقَ بِرُسُلي لَوْ أتَتْكُمْ ؟ » .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَلَوۡ أَنَّآ أَهۡلَكۡنَٰهُم بِعَذَابٖ مِّن قَبۡلِهِۦ لَقَالُواْ رَبَّنَا لَوۡلَآ أَرۡسَلۡتَ إِلَيۡنَا رَسُولٗا فَنَتَّبِعَ ءَايَٰتِكَ مِن قَبۡلِ أَن نَّذِلَّ وَنَخۡزَىٰ} (134)

أخبر الله تعالى نبيه عليه السلام أنه لو أهلك هذه الأُمة الكافرة قبل إرساله إليهم محمداً لقامت لهم حجة { ربنا لولا أرسلت إلينا رسولاً } الآية . وروى أبو سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال «يحتج على الله تعالى يوم القيامة ثلاثة : الهالك في الفترة ، والمغلوب على عقله والصبي الصغير فيقول المغلوب على عقله رب لم تجعل لي عقلاً ويقول الصبي نحوه ويقول الهالك في الفترة رب لم ترسل إليّ رسولاً ولو جاءني لكنت أطوع خلقك لك . قال : فترفع لهم نار ويقال لهم ردوها قال : فيردها من كان في علم الله تعالى أنه سعيد ، ويكع عنها الشقي فيقول الله تعالى :‹ إياي عصيتم فكيف برسلي لو أتتكم ›{[8188]} أما الصبي والمغلوب على عقله فبين أمرهما وأما صاحب الفترة فليس ككافر قريش قبل النبي صلى الله عليه وسلم لأن كفار قريش وغيرهم ممن علم وسمع عن نبوة ورسالة في أقطار الأرض فليس بصاحب فترة والنبي صلى الله عليه وسلم قد قال أبي وأبوك في النار{[8189]} ورأى عمرو بن لحي في النار إلى غير هذا مما يطول ذكره ، وأما صاحب الفترة يفرض أنه آدمي لم يطرأ إليه أن الله تعالى بعث رسولاً ولا دعا إلى دين وهذا قليل الوجود اللهم إلا أن يشد في أطراف الأرض والمواضع المنقطعة عن العمران ، و «الذل والخزي » مقترنان بعذاب الآخرة .


[8188]:أخرجه أبو داود في الحدود، والترمذي في الطلاق، وأخرجه نحوه أحمد في مسنده (4 ـ 24)، عن الأسود بن سريع، وفيه أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: (أربعة يوم القيامة: رجل أصم لا يسمع شيئا، ورجل أحمق، ورجل هرم، ورجل مات في فترة، فأما الأصم فيقول: رب جاء الإسلام ولم يسمع شيئا، وأما الأحمق فيقول: رب لقد جاء الإسلام والصبيان يحذفونني بالبعر، وأما الهرم فيقول: رب، لقد جاء الإسلام وما أعقل شيئا، وأما الذي مات في الفترة فيقول: رب ما أتاني ك رسول، فيأخذ مواثيقهم ليطيعنه، فيرسل إليهم أن ادخلوا النار، قال: فو الذي نفس محمد بيده لو دخلوها لكانت عليهم بردا وسلاما)، وعن أبي هريرة مثل هذا غير أنه قال في آخره: (فمن دخلها كانت عليه بردا وسلاما، ومن لم يدخلها يسحب إليها).
[8189]:أخرجه أبو داود في السنة، وأحمد بن حنبل (4 ـ 14)، ولفظه فيهما: أين أبي؟ قال: (أبوك في النار)، (المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي)، وفي صحيح مسلم في كتاب الإيمان وفي المسند للإمام أحمد، عن أنس رضي الله عنه، قال: قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم أين أبي؟ قال: (في النار)، قال: فلما رأى ما في وجهه قال: (إن أبي وأباك في النار).
 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَلَوۡ أَنَّآ أَهۡلَكۡنَٰهُم بِعَذَابٖ مِّن قَبۡلِهِۦ لَقَالُواْ رَبَّنَا لَوۡلَآ أَرۡسَلۡتَ إِلَيۡنَا رَسُولٗا فَنَتَّبِعَ ءَايَٰتِكَ مِن قَبۡلِ أَن نَّذِلَّ وَنَخۡزَىٰ} (134)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: ولو أنا أهلكنا هؤلاء المشركين الذين يكذّبون بهذا القرآن من قبل أن ننزله عليهم، ومن قبل أن نبعث داعيا يدعوهم إلى ما فرضنا عليهم فيه بعذاب ننزله بهم بكفرهم بالله، لقالوا يوم القيامة، إذ وردوا علينا، فأردنا عقابهم: ربنا هلا أرسلت إلينا رسولاً يدعونا إلى طاعتك، "فنتبع آياتك "يقول: فنتبع حجتك وأدلتك وما تنزله عليه من أمرك ونهيك "من قبل أن نذلّ" بتعذيبك إيانا "ونخزى" به...

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

من الناس من يقول: ليس لله أن يعذبهم تعذيب إهلاك قبل أن يبعث رسولا، ويحتج بظاهر هذه الآية {ولو أنا أهلكناهم بعذاب من قبله لقالوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا}. وعندنا له أن يهلكهم بعذاب قبل الرسول إليهم، لأنه تعالى قد أقام عليهم حجة العقل ما لو تأملوا، ونظروا فيه، لعرفوا، وأدركوا حق الله عليهم. فإذا كان كذلك كان إهلاكه إياهم إهلاكا عن بينة وحجة. لكنه بفضله ورحمته لا يهلكهم بأول آية يرسلها عليهم حتى يرسل الآيات إفضالا منه منة. وإلا كان له إهلاكهم بآية واحدة، فيكون {ولو أنا أهلكناهم بعذاب من قبله لقالوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا}، إنما ذلك لقطع القول منهم لا أن كان لهم ذلك القول والاحتجاج بذلك، ولأن قوله {ولو أنا أهلكناهم بعذاب من قبله لقالوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا} يخرج مخرج الامتنان أنه لم يهلكهم قبل بعث الرسل، فدل أن له إهلاكهم قبل بعث الرسول لما ذكرنا من إقامة حجة العقل عليهم، والله أعلم.

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

إنْ أرسلنا إليهم الرسلَ قابلوهم بفنونٍ من الجحد، ووجوهٍ من العلل؛ مرةً يقولون: فما بالُ هذا الرسول بَشَر؟ هلاَّ أرسله مَلَكاً؟ ولو أرسلنا مَلَكاً لقالوا هلاَّ أرسل إلينا مثلنا بَشَراً؟ ولو أظهر عليهم آيةً لقالوا: هذا سِحْرٌ مُفْتَرَى! ولو أخليناهم من رسولٍ وعاملناهم بما استوجبوه من نكير لقالوا: هلاَّ بَعَثَ إلينا رسولاً حتى كنا نُؤْمِن؟ فليست تنقطع أعلالُهم، ولا تنفك -عما لا يُرْضَى- أحوالُهم، وكذلك سبيلُ مَنْ لا يجنح إلى الوصال ولا يرغَب في الوداد.

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

ثم بين أنه تعالى أزاح لهم كل عذر وعلة في التكليف، فقال: {ولو أنا أهلكناهم بعذاب من قبله لقالوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا} والمراد كان لهم أن يقولوا ذلك فيكون عذرا لهم، فأما الآن وقد أرسلناك وبينا على لسانك لهم ما عليهم وما لهم فلا حجة لهم البتة بل الحجة عليهم.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

ولما تبين بذلك أنهم يطعنون بما لا شبهة لهم فيه أصلاً، أتبعه ما كان لهم فيه نوع شبهة لو وقع، فقال عاطفاً على {ولولا كلمة}: {ولو أنا أهلكناهم} معاملة لهم في عصيانهم بما يقتضيه مقام العظمة {بعذاب من قبله} أي من قبل هذا القرآن المذكور في الآية الماضية وما قاربها، وفي قوله {ولا تعجل بالقرآن} صريحاً، وكذا في مبنى السورة {ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى} {لقالوا} يوم القيامة: {ربنا} يا من هو متصف بالإحسان إلينا {لولا} أي هلا ولم لا {أرسلت} ودلوا على عظمته وعلو رتبته بحرف الغاية فقالوا: {إلينا رسولاً} أي يأمرنا بطاعتك {فنتبع} أي فيتسبب عنه أن نتبع {آياتك} التي يجيئنا بها.

ولما كان اتباعهم لا يستغرق زمان القبل قالوا: {من قبل أن نذل} بالعذاب هذا الذل {ونخزى} بالمعاصي التي عملناها على جهل هذا الخزي فلأجل ذلك أرسلناك إليهم وأقمنا بك الحجة عليهم، ونحن نترفق بهم، ونكشف عن قلوب من شئنا منهم ما عليها من الرين بما ننزل من الذكر ونجدد من الآيات حتى نصدق أمرك ونعلي شأنك ونكثر أتباعك وننصر أشياعك.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

وفي هذه الآية دليل على أنّ الإيمان بوحدانية خالق الخلق يقتضيه العقل لولا حجب الضلالات والهوى، وأن مجيء الرسل لإيقاظ العقول والفطر، وأن الله لا يؤاخذ أهل الفترة على الإشراك حتى يبعث إليهم رسولاً، وأنّ قريشاً كانوا أهل فترة قبل بعثة محمد صلى الله عليه وسلم. ومعنى {لقالوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولاً}: أنهم يقولون ذلك يوم الحساب بعد أن أهلكهم الله الإهلاك المفروض، لأنّ الإهلاك بعذاب الدنيا يقتضي أنهم معذبون في الآخرة. و (لولا) حرف تحضيض، مستعمل في اللوم أو الاحتجاج لأنّه قد فات وقت الإرسال، فالتقدير: هلاّ كنت أرسلت إلينا رسولاً وانتصب {فنتبع} على جواب التحضيض باعتبار تقدير حصوله فيما مضى. والذل: الهوان. والخزي: الافتضاح، أي الذل بالعذاب. والخزي في حشرهم مع الجناة كما قال إبراهيم عليه السلام {ولا تخزني يوم يبعثون} [الشعراء: 87].

زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :

الضمير في {قبله} يعود إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، لأن المناقشة مع المشركين، فهو حاضر في الذهن، وإن لم يكن مذكورا باللفظ، ويصح أن يعود إلى القرآن، لأنه البينة المثبتة لكل ما في صحف إبراهيم ونوح وموسى وعيسى وغيرهم، والمعنى لو ثبت أنا أهلكناهم بكفرهم وضلالهم، وأنهم يعيشون في الأرض فسادا لقالوا: {ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا} يكون قولهم يوم القيامة ضارعا، إذ ينادون {ربنا} خالقنا والقائم على أمورنا وحياتنا: {لولا أرسلت إلينا رسولا}، أي هلا أرسلت إلينا رسولا يرشدنا ويعلمنا، ويجنبنا طريق الباطل، ويهدينا إلى الطريق المستقيم {فنتبع آياتك} الفاء للسببية، أي بسبب الرسل نتبع آياتك البينات، والمراد الآيات الشرعية التكليفية، أو نتبع خاضعين لموجب ما تدل عليه آياتك في هذا الوجود كله: {من قبل أن نذل} باتباع الباطل والهلاك {نخزى} أي نصاب بالخزي والعار في الدنيا والآخرة.

تفسير الشعراوي 1419 هـ :

يقول تعالى: أنا قطعت عليهم الحجة؛ لأنني لو أهلكتهم على فترة من الرسل لقالوا: لماذا لم تبقنا إلى أن يأتينا رسول، فلو جاءنا رسول لآمنا به قبل أن نقع في الذل والخزي، فمعنى: ولو أنا أهلكناهم بعذاب من قبل أن يأتي القرآن لقالوا: ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا لآمنا به واهتدينا. وهذه مجرد كلمة هو قائلها...وقولهم: {مِن قَبْلِ أَن نَّذِلَّ وَنَخْزَى} الذل: ما يعتري الحي مما ينشأ عنه انكساره بعد أن كان متعاليا، والذل يكون أولا بالهزيمة، وأذل من الهزيمة الأسر، لأنه قد يهزم ثم يفر، وأذل منهما القتل، إذن: الذل يكون في الدنيا أمام المشاهدين له والمعاصرين لانكساره بعد تعاليه. أما الخزي: نخزي يعني: يصيبنا الخزي، وهو تخاذل النفس بعد ارتفاعها. ومن ذلك يقولون: أنت خزيت، يعني: كنت تنتظر شيئا فوجدت خلافه.. ومنه قوله تعالى: {ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة} (آل عمران 194): فإن عجل لهم الذل في الدنيا، فإن الخزي مؤخر في الآخرة حتى تكون فضيحتهم على رؤوس الأشهاد... حيث يشهد خزيهم أهل الموقف جميعا.

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

وعلى كلّ حال، فإنّ هؤلاء المتذّرعين ليسوا أناساً طلاّب حقّ، بل إنّهم دائماً في صدد إيجاد أعذار وتبريرات جديدة، فحتّى (ولو أنّا أهلكناهم بعذاب من قبله لقالوا ربّنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتّبع آياتك من قبل أن نذلّ ونخزى) إلاّ أنّهم الآن وقد جاءهم هذا النّبي الكريم بهذا الكتاب العظيم، يقولون كلّ يوم كلاماً، ويختلقون الأعذار للفرار من الحقّ.