اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَلَوۡ أَنَّآ أَهۡلَكۡنَٰهُم بِعَذَابٖ مِّن قَبۡلِهِۦ لَقَالُواْ رَبَّنَا لَوۡلَآ أَرۡسَلۡتَ إِلَيۡنَا رَسُولٗا فَنَتَّبِعَ ءَايَٰتِكَ مِن قَبۡلِ أَن نَّذِلَّ وَنَخۡزَىٰ} (134)

قوله : { ولو أنا أهلكناهم بعذاب من قبله } الهاء في { قبله } يجوز أن تعود للرسول لقوله{[27581]} : لولا أرسلت إلينا رسولا{[27582]} .

وجوز الزمخشري وغيره في قوله{[27583]} : أنه{[27584]} يعود على { بينة } باعتبار أنها في معنى البرهان والدليل{[27585]} . والمعنى : ولو أنا أهلكناهم بعذاب من قبل إرسال الرسول أو من قبل مجيء البرهان { لقالوا } يوم القيامة { لولا } هلا { أرسلت إلينا رسولا } يدعونا { فنتبع{[27586]} آياتك من قبل أن ندل ونخزى } ( بالعذاب والذل : الهوان . والخزي : الافتضاح ){[27587]} لكان لهم أن يقولوا ذلك فيكون عذرا لهم ، فأما الآن فقد أرسلناك وبينا على لسانك ما عليهم وما لهم فلم تبق لهم حجة البتة .

روى أبو سعيد الخدري{[27588]} : قال : -عليه السلام{[27589]}- " يحتج على الله يوم القيامة ثلاثة الهالك في الفترة ، يقول : لم يأتني رسول{[27590]} ، وتلا { لولا أرسلت إلينا رسولا } والمغلوب على الله يقول : لم تجعل لي عقلا أنتفع به ، ويقول الصغير : كنت صغيرا لا أعقل ، فترتفع لهم النار{[27591]} ويقال{[27592]} ادخلوها ، فيدخلها من كان في علم الله أنه شقي ، ويبقى من كان في علم الله أنه سعيد ، فيقول{[27593]} : إياي عصيتم فكيف برسلي{[27594]} لو أتوكم " {[27595]} .

فصل

قال الجبائي : هذه الآية تدل على وجوب فعل اللطف إذ المراد أنه يجب{[27596]} أن يفعل بالمكلفين ما يؤمنون عنده ، ولو لم يفعل لكان لهم أن يقولوا : هلا فعلت ذلك بنا لنؤمن ؟ وهلا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك ؟ وإن كان في المعلوم أنهم لا يؤمنون ، وإن بعث إليهم الرسول لم يكن لهم في ذلك حجة ، فصح أنه إنما يكون حجة لهم{[27597]} إذا كان في المعلوم أنه يؤمنون عنده إذا أطاعوه{[27598]} .

فصل

قال الكلبي : قوله : { لولا أرسلت إلينا رسولا } أوضح دليل على أنه تعالى يقبل الاحتجاج من عباده{[27599]} ، وأنه ليس قوله : { لا يسأل عما يفعل }{[27600]} كما ظنه أهل{[27601]} الجبرية من أن ما هو جور منا{[27602]} يكون عدلا منه ، بل تأويله : أته لا يقع منه إلا{[27603]} العدل ، قال : وإذا ثبت أنه تعالى يقبل الحجة ، فلو لم يكونوا قادرين على ما أمروا به لكان لهم فيه أعظم حجة{[27604]} .

فصل

دلت الآية{[27605]} على أن الوجوب لا يتحقق إلا بالشرع إذ لو تحقق{[27606]} العقاب قبل مجيء الشرع لكان العقاب حاصلا قبل الشرع{[27607]} .

قوله : { فنتبع }{[27608]} نصب بإضمار " أن " في جواب التحضيض{[27609]} .

وفي إعراب أبي البقاء في جواب الاستفهام{[27610]} ، وهو سهو . وقرأ ابن عباس وابن الحنفية{[27611]} والحسن وجماعة كثيرة{[27612]} : { نُذَلُّ ونُخزى ) مبنيين{[27613]} للمفعول{[27614]} .


[27581]:في الأصل: كقوله وهو تحريف.
[27582]:واستظهره أبو حيان البحر المحيط 6/292.
[27583]:في ب: وجوزه الزمخشري وقوله. وهو تحريف.
[27584]:في ب: أنّ.
[27585]:قال الزمخشري: (ذكّر الضمير الراجع إلى البينة لأنها في معنى البرهان والدليل) الكشاف 2/453.
[27586]:في ب: قوله فنتبع.
[27587]:ما بين القوسين في ب: بالذل والهوان والعذاب والافتضاح.
[27588]:هو سعد بن مالك بن سنان بن عبيد الأنصاري أبو سعيد الخدري، له ولأبيه صحبة استصغر بأحد، ثم شهد ما بعدها، وروى الكثير مات بالمدينة 74 هـ تقريبا. تهذيب التهذيب 12/289.
[27589]:في ب: عليه الصلاة والسلام.
[27590]:في ب: رسولا.
[27591]:في ب: فترتفع النار لهم.
[27592]:في ب: ويقال لهم.
[27593]:في ب: فتقول.
[27594]:في ب: برسل.
[27595]:انظر الفخر الرازي 22/137 – 138، والقرطبي 11/265.
[27596]:يجب: سقط من ب.
[27597]:في ب: حجة لهم إلا إذا صح في المعلوم عنده، وقيل إنه إنما يكون حجة لهم.
[27598]:انظر الفخر الرازي 22/831.
[27599]:في ب: قوله. وهو تحريف.
[27600]:من قوله تعالى: { لا يسأل عما يفعل وهم يسألون} [الأنبياء: 23].
[27601]:في ب: كما كان. وهو تحريف.
[27602]:في الأصل: ما جوه منا. وهو تحريف.
[27603]:إلا: زيادة من الفخر الرازي يقتضيها السياق.
[27604]:انظر الفخر الرازي 22/138.
[27605]:في ب: قال بعضهم دلت الآية. وفي الفخر الرازي: قال أصحابنا الآية تدل.
[27606]:في ب: إذ لم يتحقق. وهو تحريف.
[27607]:انظر الفخر الرازي 22/138.
[27608]:في ب: فتتبع آياتك.
[27609]:وذلك لأن الفعل المضارع يجب نصبه بـ (أن) مضمرة بعد الفاء الواقعة في جواب التحضيض، فالفاء واقعة في جواب "لولا أرسلت إلينا رسولا". انظر شرح الأشموني 3/301 – 303.
[27610]:التبيان 2/910.
[27611]:هو محمد بن علي بن أبي طالب أبو القاسم ابن الحنفية، وردت الرواية عنه في حروف القرآن روى عن عمر، وروى عن أبيه وعثمان وغيرهم روى عنه بنوه إبراهيم وعبد الله والحسن وغيرهم ومات سنة 81 هـ تقريبا. طبقات القراء 2/204.
[27612]:زيد بن علي والحسن في رواية عباد والعمري وداود والفزاري وأبو حاتم ويعقوب. البحر المحيط 6/292.
[27613]:مبنيين: سقط من ب.
[27614]:المختصر: (91).