الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{وَلَوۡ أَنَّآ أَهۡلَكۡنَٰهُم بِعَذَابٖ مِّن قَبۡلِهِۦ لَقَالُواْ رَبَّنَا لَوۡلَآ أَرۡسَلۡتَ إِلَيۡنَا رَسُولٗا فَنَتَّبِعَ ءَايَٰتِكَ مِن قَبۡلِ أَن نَّذِلَّ وَنَخۡزَىٰ} (134)

قوله سبحانه : { وَلَوْ أَنَّا أهلكناهم بِعَذَابٍ مِّن قَبْلِهِ } [ طه : 134 ] .

أي : من قبل إرسالنا إليهم محمداً ، { لقَالُوا رَبَّنَا لَوْلاَ أَرْسَلْتَ إلَيْنَا رَسُولاً } وروى أبو سعيد الخِدْرِي ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( يَحْتَجُّ عَلَى اللَّه تعالى يَوْمَ القِيَامَةِ ثَلاَثَةٌ : الهَالِكُ فَي الفَتْرَةِ ، والمَغْلُوبُ على عَقْلِهِ ، والصَّبِيُّ الصَّغيرُ : فيقُولُ المَغْلُوبُ على عَقْلِهِ : رَبِّ ، لَمْ تَجْعَلْ لِيَ عَقْلاً ، ويَقَولُ الصَّبِيُّ نَحْوَهُ ، ويَقُولُ الهَالِكُ فِي الفَتْرَةِ . رَبِّ ، لَمْ يُرْسِلْ إِلَيَّ رَسَولاً ، وَلَوْ جَاءَنِي ، لَكُنْتُ أَطْوَعَ خَلْقِكَ لَكَ ، قَالَ : فَتَرْتَفِعُ لَهُمْ نَارٌ ، وَيَقَالُ لَهُمُ : رُدُوهَا ، فَيَرِدُهَا مَنْ كَانَ فِي عِلْمِ اللَّه أَنَّهُ سَعِيدٌ وَيَكَعُ عَنْهَا الشَّقِيُّ ، فَيَقُولُ اللَّه تعالى : إيَّايَ عَصَيْتُمْ فَكَيْفَ بِرْسُلِي لَوْ أَتَتْكُمْ ) .

قال ( ع ) : أما الصبيُّ ، والمغلوبُ على عقله ، فبَيّن أمرهما ، وأما صاحبُ الفَترة ، فليس ككفَّارِ قريش قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم ، لأن كفار قريش ، وغيرهم مِمَّنْ علم وسمع نبوءة ورسالة في أقطار الأرضِ ، ليسٍ بصاحب فترةٍ ، وقد ، قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم لرجل : ( أبيِ وَأَبُوكَ فِي النَّارِ ) ورأى صلى الله عليه وسلم ، عَمَرْو بْنَ لُحَيٍّ في النار إلى غير هذا مِمَّا يطوُلَ ذِكْرهِ ، وإنما صاحبُ الفترة يفرض أنه آدميٌّ لم يطرأ إليه أن اللَّه تعالى بعث رَسُولاً ، ولاَ دَعا إلى دِينٍ ، وهذا قليلُ الوجود إلاّ أن يشذ في أطراف الأرض ، والمواضع المنقطعة عن العمران .

( ت ) : والصحيح في هذا الباب : «أَنَّ أوْلادَ المُشْرِكينَ في الجَنَّةِ ، وأمَّا أَوَلاَدُ المُسْلِمِينَ فَفِي الجَنَّةِ مِنْ غَيْرِ شَكٍّ » متفق عليه ، وقد أَسند أَبو عُمَرَ في «التمهيد » من طريق أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( سألتُ رَبِّي في اللاَّهين مِنْ ذًرِّيَّةِ البَشَرِ ألاَّ يُعَذَّبَهُمْ فَأَعْطانِيهِمْ ) قال أبو عمر إنما قيل للأطفال : الَّلاهُوَنَ لأن أعمالهم كاللهو ، واللعب من غير عقد ، ولا عَزْم ، ثم أسند أبو عمر ، عن أنس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( أَوْلاَدُ المُشْرِكِينَ خَدَمُ أَهْلِ الجَنَّةِ ) . قال أبو عمر ، وروى شُعْبةِ ، وسعيد بن أبي عروبة ، وأبو عَوَانة ، عن قتادة ، عن أَبي سراية العجلي ، عن سَلْمَان قال : ( أَطْفَالُ المُشْرِكِينَ خَدَمُ أَهْلِ الجَنَّةِ ) .

وذكرِ البخاري حَدِيثَ الرؤيا الطويل ، وفيه : ( وَأَمَّا الرَّجُلُ الطَّوِيلُ الَّذِي فِي الرَّوْضَةِ ، فَإنَّهُ إبْرَاهِيمَ عليه السلام وأمَّا الوِلْدَانُ حَوْلَهُ ، فَكُلُّ مَوْلُودٍ يُولدُ عَلَى الفِطْرَةِ ، قَالَ : فقيل : يَا رَسُولَ اللَّه ، وأَوْلاَدُ المُشْرِكِينَ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم : وأَوْلاَدُ المُشْرِكِينَ ) ، وفي رواية : ( والصبيان حَوْلَهُ أَوْلاَدُ النَّاسِ ) وظاهره العمومُ في جميع أولاد الناس . انتهى من التمهيد والذُّلُّ ، والخِزْيُ مقترنان بعذاب الآخرة .