تفسير سورة لا أقسم بهذا البلد مكية{[1]}
{ 1 - 20 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ * وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ * وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ * لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ * أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ * يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالًا لُبَدًا * أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ * أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ * فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ * أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ * ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ * أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ * وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا هُمْ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ * عَلَيْهِمْ نَارٌ مُؤْصَدَةٌ }
يقسم تعالى { بِهَذَا الْبَلَدِ } الأمين ، الذي هو مكة المكرمة ، أفضل البلدان على الإطلاق .
تضم هذه السورة الصغيرة جناحيها على حشد من الحقائق الأساسية في حياة الكائن الإنساني ذات الإيحاءات الدافعة واللمسات الموحية . حشد يصعب أن يجتمع في هذا الحيز الصغير في غير القرآن الكريم ، وأسلوبه الفريد في التوقيع على أوتار القلب البشري بمثل هذه اللمسات السريعة العميقة . .
تبدأ السورة بالتلويح بقسم عظيم ، على حقيقة في حياة الإنسان ثابتة :
( لا أقسم بهذا البلد . وأنت حل بهذا البلد . ووالد وما ولد . لقد خلقنا الإنسان في كبد ) .
والبلد هو مكة . بيت الله الحرام . أول بيت وضع للناس في الأرض . ليكون مثابة لهم وأمنا . يضعون عنده سلاحهم وخصوماتهم وعداواتهم ، ويلتقون فيه مسالمين ، حراما بعضهم على بعض ، كما أن البيت وشجره وطيره وكل حي فيه حرام . ثم هو بيت إبراهيم والد إسماعيل أبي العرب والمسلمين أجمعين .
هذا قسم من الله عز وجل{[30075]} بمكة أم القرى في حال كون الساكن فيها حالا ؛ لينبه على عظمة قدرها في حال إحرام أهلها .
قال خَصيف ، عن مجاهد : { لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ } لا رد عليهم ؛ أقسم بهذا البلد .
وقال شَبيب بن بشر ، عن عِكْرِمة ، عن ابن عباس : { لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ } يعني : مكة .
القول في تأويل قوله تعالى : { لاَ أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ * وَأَنتَ حِلّ بِهَذَا الْبَلَدِ * وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ * لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي كَبَدٍ * أَيَحْسَبُ أَن لّن يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ * يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالاً لّبَداً * أَيَحْسَبُ أَن لّمْ يَرَهُ أَحَدٌ } .
يقول تعالى ذكره : أقسم يا محمد بهذا البلد الحرام ، وهو مكة ، وكذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، في قوله : لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ يعني : مكة .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ قال : مكة .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ قال : الحرام .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ قال : مكة .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ قال : البلد مكة .
حدثنا سوار بن عبد الله ، قال : حدثنا يحيى بن سعيد ، عن عبد الملك ، عن عطاء ، في قوله : لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ يعني : مكة .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قول الله : لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ قال : مكة .
وهي مكية في قول جمهور المفسرين ، وقال قوم : هي مدنية{[1]} .
قرأ الحسن بن أبي الحسن «لأقسم » دون ألف ، وقرأ الجمهور : «لا أقسم » ، واختلفوا فقال الزجاج ويغره : «لا » صلة زائدة مؤكدة ، واستأنف قوله { أقسم } ، وقال مجاهد { لا } رد للكلام متقدم للكفار ، ثم استأنف قوله { أقسم } ، وقال بعض المتأولين { لا } نفي للقسم بالبلد ، أخبر الله تعالى أنه لا يقسم به ، ولا خلاف بين المفسرين أن { البلد } المذكور هو مكة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.