تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمۡ ثُمَّ رَزَقَكُمۡ ثُمَّ يُمِيتُكُمۡ ثُمَّ يُحۡيِيكُمۡۖ هَلۡ مِن شُرَكَآئِكُم مَّن يَفۡعَلُ مِن ذَٰلِكُم مِّن شَيۡءٖۚ سُبۡحَٰنَهُۥ وَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يُشۡرِكُونَ} (40)

{ 40 } { اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ }

يخبر تعالى أنه وحده المنفرد بخلقكم ورزقكم وإماتتكم وإحيائكم ، وأنه ليس أحد من الشركاء التي يدعوهم المشركون من يشارك اللّه في شيء من هذه الأشياء .

فكيف يشركون بمن انفرد بهذه الأمور من ليس له تصرف فيها بوجه من الوجوه ؟ !

فسبحانه وتعالى وتقدس وتنزه وعلا عن شركهم ، فلا يضره ذلك وإنما وبالهم{[1]} عليهم .


[1]:- هذا التنبيه جعله الشيخ -رحمه الله- على غلاف المجلد الأول فصدرت به التفسير كما فعل -رحمه الله-.
 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمۡ ثُمَّ رَزَقَكُمۡ ثُمَّ يُمِيتُكُمۡ ثُمَّ يُحۡيِيكُمۡۖ هَلۡ مِن شُرَكَآئِكُم مَّن يَفۡعَلُ مِن ذَٰلِكُم مِّن شَيۡءٖۚ سُبۡحَٰنَهُۥ وَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يُشۡرِكُونَ} (40)

33

ومن زاوية الرزق والكسب يعالج قضية الشرك ، وآثارها في حياتهم وفي حياة من قبلهم ، ويعرض نهاية المشركين من قبل وعاقبتهم التي تشهد بها آثارهم :

( الله الذي خلقكم ، ثم رزقكم ، ثم يميتكم ثم يحييكم . هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شيء ? سبحانه وتعالى عما يشركون . ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ، ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون . قل : سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة الذين من قبل كان أكثرهم مشركين ) . .

وهو يواجههم بواقع أمرهم وحقائق حالهم التي لا يملكون أن يماروا في أن الله وحده هو موجدها ؛ أو التي لا يملكون أن يزعموا أن لآلهتهم المدعاة مشاركة فيها . يواجههم بأن الله هو الذي خلقهم . وأنه هو الذي رزقهم . وأنه هو يميتهم . وأنه هو يحييهم . فأما الخلق فهم يقرون به . وأما الرزق فهم لا يملكون أن يزعموا أن آلهتهم المدعاة ترزقهم شيئا . وأما الإماتة فلا حجة لهم على غير ما يقرره القرآن فيها . بقي الإحياء وكانوا يمارون في وقوعه . وهو يسوقه إليهم ضمن هذه المسلمات ليقرره في وجدانهم بهذه الوسيلة الفريدة ، التي تخاطب فطرتهم من وراء الانحراف الذي أصابهم . وما تملك الفطرة أن تنكر أمر البعث والإعادة .

ثم يسألهم : ( هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شيء ? )ولا ينتظر جوابا منهم ، فهو سؤال للنفي في صورة التقريع غير محتاج إلى جواب ! إنما يعقب عليه بتنزيه الله : ( سبحانه وتعالى عما يشركون ) .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمۡ ثُمَّ رَزَقَكُمۡ ثُمَّ يُمِيتُكُمۡ ثُمَّ يُحۡيِيكُمۡۖ هَلۡ مِن شُرَكَآئِكُم مَّن يَفۡعَلُ مِن ذَٰلِكُم مِّن شَيۡءٖۚ سُبۡحَٰنَهُۥ وَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يُشۡرِكُونَ} (40)

وقوله : { اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ } أي : هو الخالق الرازق{[22868]} يخرج الإنسان من بطن أمه عريانا لا علم له ولا سمع ولا بصر ولا قُوَى ، ثم يرزقه جميع ذلك بعد ذلك ، والرياش واللباس والمال والأملاك والمكاسب ، كما قال{[22869]} الإمام أحمد :

حدثنا أبو معاوية ، حدثنا الأعمش ، عن سلام أبي شرحبيل ، عن حَبَّة وسواء ابني خالد قالا دخلنا على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلح شيئا فأعَنَّاه ، فقال : " لا تيأسا من الرزق ما تَهَزّزَتْ رؤوسكما ؛ فإن الإنسان تلده أمه أحمر ليس عليه قشرة ، ثم يرزقه الله عز وجل " {[22870]} .

وقوله : { ثُمَّ يُمِيتُكُمْ } ، أي : بعد هذه الحياة { ثُمَّ يُحْيِيكُمْ } أي : يوم القيامة .

وقوله : { هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ } أي : الذين تعبدونهم من دون الله . { مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ } أي : لا يقدر أحد منهم على فعل شيء من ذلك ، بل الله سبحانه وتعالى هو المستقل بالخلق والرزق ، والإحياء والإماتة ، ثم يبعث الخلائق يوم القيامة ؛ ولهذا قال بعد هذا كله : { سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ } أي : تعالى وتقدس وتنزه وتعاظم وجل وعَزّ عن أن يكون له شريك أو نظير أو مساوٍ ، أو ولد أو والد ، بل هو الأحد الفرد الصمد ، الذي لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفوًا أحد .


[22868]:- في أ: "الرزاق".
[22869]:- في ت: "كما روى".
[22870]:- المسند (3/469).
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمۡ ثُمَّ رَزَقَكُمۡ ثُمَّ يُمِيتُكُمۡ ثُمَّ يُحۡيِيكُمۡۖ هَلۡ مِن شُرَكَآئِكُم مَّن يَفۡعَلُ مِن ذَٰلِكُم مِّن شَيۡءٖۚ سُبۡحَٰنَهُۥ وَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يُشۡرِكُونَ} (40)

القول في تأويل قوله تعالى : { اللّهُ الّذِي خَلَقَكُمْ ثُمّ رَزَقَكُمْ ثُمّ يُمِيتُكُمْ ثُمّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُمْ مّن يَفْعَلُ مِن ذَلِكُمْ مّن شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىَ عَمّا يُشْرِكُونَ } .

يقول تعالى ذكره للمشركين به ، معرّفهم قبح فعلهم ، وخبث صنيعهم : الله أيها القوم الذي لا تصلح العبادة إلاّ له ، ولا ينبغي أن تكون لغيره ، هو الذي خلقكم ولم تكونوا شيئا ، ثم رزقكم وخوّلكم ، ولم تكونوا تملكون قبل ذلك ، ثم هو يميتكم من بعد أن خلقكم أحياء ، ثم يحييكم من بعد مماتكم لبعث القيامة ، كما :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : اللّهُ الّذِي خَلَقَكُمْ ثُمّ رَزَقَكُمْ ثُمّ يُمِيتُكُمْ ثُمّ يُحْيِيكُمْ للبعث بعد الموت .

وقوله : هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ يقول تعالى ذكره : هل من آلهتكم وأوثانكم التي تجعلونهم لله في عبادتكم إياه شركاء من يفعل من ذلكم من شيء ، فيخلق أو يرزق ، أو يميت ، أو ينشر وهذا من الله تقريع لهؤلاء المشركين . وإنما معنى الكلام أن شركاءهم لا تفعل شيئا من ذلك ، فكيف يُعبد من دون الله من لا يفعل شيئا من ذلك ؟ ثم برأ نفسه تعالى ذكره عن الفرية التي افتراها هؤلاء المشركون عليه بزعمهم أن آلهتهم له شركاء ، فقال جلّ ثناؤه سبحانه أي تنزيها لله وتبرئة وَتَعالى يقول : وعلوّا له عَمّا يُشْرِكُونَ يقول : عن شرك هؤلاء المشركين به . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ لا والله سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمّا يُشْرِكُونَ يسبح نفسه إذ قيل عليه البهتان .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمۡ ثُمَّ رَزَقَكُمۡ ثُمَّ يُمِيتُكُمۡ ثُمَّ يُحۡيِيكُمۡۖ هَلۡ مِن شُرَكَآئِكُم مَّن يَفۡعَلُ مِن ذَٰلِكُم مِّن شَيۡءٖۚ سُبۡحَٰنَهُۥ وَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يُشۡرِكُونَ} (40)

{ الله الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شيء } أثبت له لوازم الألوهية ونفاها رأسا عما اتخذوه شركاء له من الأصنام وغيرها مؤكدا بالإنكار على ما دل عليه البرهان والعيان ووقع عليه الوفاق ، ثم استنتج من ذلك تقدسه عن أن يكون له شركاء فقال : { سبحانه وتعالى عما يشركون } ويجوز أن تكون الكلمة الموصولة صفة والخبر { هل من شركائكم } والرابط { من ذلكم } لأنه بمعنى من أفعاله ، و { من } الأولى والثانية تفيد أن شيوع الحكم في جنس الشركاء والأفعال والثالثة مزيدة لتعميم المنفي وكل منها مستقلة بتأكيد لتعجيز الشركاء ، وقرأ حمزة والكسائي بالتاء .