تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{أَفَعَيِينَا بِٱلۡخَلۡقِ ٱلۡأَوَّلِۚ بَلۡ هُمۡ فِي لَبۡسٖ مِّنۡ خَلۡقٖ جَدِيدٖ} (15)

ثم استدل تعالى بالخلق الأول -وهو المنشأ الأول{[819]}  - على الخلق الآخر ، وهو النشأة الآخرة .

فكما{[820]}  أنه الذي أوجدهم بعد العدم ، كذلك يعيدهم بعد موتهم وصيرورتهم إلى [ الرفات ] والرمم ، فقال : { أَفَعَيِينَا } أي : أفعجزنا وضعفت قدرتنا { بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ } ؟ ليس الأمر كذلك ، فلم نعجز ونعي عن ذلك ، وليسوا في شك من ذلك ، وإنما هم في لبس من خلق جديد هذا الذي شكوا فيه ، والتبس عليهم أمره ، مع أنه لا محل للبس فيه ، لأن الإعادة ، أهون من الابتداء كما قال تعالى : { وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ }


[819]:- في ب: النشأة الأولى.
[820]:- كذا في ب، وفي أ: وأنه كما أنه
 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{أَفَعَيِينَا بِٱلۡخَلۡقِ ٱلۡأَوَّلِۚ بَلۡ هُمۡ فِي لَبۡسٖ مِّنۡ خَلۡقٖ جَدِيدٖ} (15)

1

وفي ظل هذه المصارع يعود إلى القضية التي بها يكذبون . قضية البعث- من جديد . فيسأل : ( أفعيينا بالخلق الأول ? ) . . والخلق شاهد حاضر فلا حاجة إلى جواب ! ( بل هم في لبس من خلق جديد ) . . غير ناظرين إلى شهادة الخلق الأول الموجود ! فماذا يستحق من يكذب وأمامه ذلك الشاهد المشهود ? !

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{أَفَعَيِينَا بِٱلۡخَلۡقِ ٱلۡأَوَّلِۚ بَلۡ هُمۡ فِي لَبۡسٖ مِّنۡ خَلۡقٖ جَدِيدٖ} (15)

القول في تأويل قوله تعالى : { أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الأوّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ * وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ } .

وهذا تقريع من الله لمشركي قريش الذين قالوا : أئِذَا مِتْنَا وكُنّا تُرَابا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ يقول لهم جلّ ثناؤه : أفعيينا بابتداع الخلق الأوّل الذي خلقناه ، ولم يكن شيئا فنعيا بإعادتهم خلقا جديدا بعد بلائهم في التراب ، وبعد فنائهم يقول : ليس يعيينا ذلك ، بل نحن عليه قادرون . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : أفَعَيِينا بالخَلْقِ الأوّلِ يقول : لم يعينا الخلق الأوّل .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : أفَعَيِينا بالخَلْقِ الأوّلِ يقول : أفعيي علينا حين أنشأناكم خلقا جديدا ، فتمتروا بالبعث .

حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن عطاء بن السائب ، عن أبي ميسرة أفَعَيِينا بالخَلْقِ الأوّلِ قال : إنا خلقناكم .

وقوله : بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ يقول تعالى ذكره : ما يشكّ هؤلاء المشركون المكذّبون بالبعث أنا لم نعي بالخلق الأوّل ، ولكنهم في شكّ من قُدرتنا على أن نخلقهم خلقا جديدا بعد فنائهم ، وبَلائهم في قبورهم . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : بَلْ هُمْ في لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ ؟ يقول : في شكّ من البعث .

حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن عطاء بن السائب ، عن أبي ميسرة بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ قال : الكفار مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ قال : أن يخلقوا من بعد الموت .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ : أي شكّ والخلق الجديد : البعث بعد الموت ، فصار الناس فيه رجلين : مكذّب ، ومصدّق .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ قال : البعث من بعد الموت .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{أَفَعَيِينَا بِٱلۡخَلۡقِ ٱلۡأَوَّلِۚ بَلۡ هُمۡ فِي لَبۡسٖ مِّنۡ خَلۡقٖ جَدِيدٖ} (15)

وقوله تعالى : { أفعيينا } توقيف للكفار وتوبيخ وإقامة للحجة الواضحة عليهم ، وذلك أن جوابهم على هذا التوقيف هو لم يقع عي ، ثم هم مع ذلك في لبس من الإعادة . وهذا تناقض ، ويقال عيى يعيى إذا عجز عن الأمر ويلح به ، ويدغم هذا الفعل الماضي من هذا الفعل ولا يدغم المستقبل منه فيقال عي ، ومنه قول الشاعر [ عبيد بن الأبرص ] :

عيوا بأمرهم كما . . . عيت ببيضتها الحمامه{[10525]}

و «الخلق الأول » إنشاء الإنسان من نطفة على التدريج الملعوم ، وقال الحسن : «الخلق الأول » آدم عليه السلام ، حكاه الرماني ، واللبس : الشك والريب واختلاط النظر . والخلق الجديد : البعث في القبور .


[10525]:هذا البيت لعبيد بن الأبرص الأسدي، وهو من قصيدة أنشدها أمام حُجر يصف حال قومه بعد أن أذلهم حُجر وجعلهم عبيد العصا، وهو في اللسان، ويروى: برمت بنو أسد كما برمت ببيضتها الحمامه والبيت هنا كما في اللسان شاهد على أن الإدغام أكثر من التخفيف في (عيي)، يقال: عيَّ بأمره وعيي إذا لم يهتد إلى الصواب.