وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ أي : إنزال الملائكة إِلا بُشْرَى أي : لتستبشر بذلك نفوسكم ، وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وإلا فالنصر بيد اللّه ، ليس بكثرة عَدَدٍ ولا عُدَدٍ . . إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ لا يغالبه مغالب ، بل هو القهار ، الذي يخذل من بلغوا من الكثرة وقوة العدد والآلات ما بلغوا . حَكِيمٌ حيث قدر الأمور بأسبابها ، ووضع الأشياء مواضعها .
( وما جعله الله إلا بشرى ، ولتطمئن به قلوبكم ، وما النصر إلا من عند الله ، إن الله عزيز حكيم )
لقد استجاب لهم ربهم وهم يستغيثون ، وأنبأهم أنه ممدهم بألف من الملائكة مردفين . . ومع عظمة هذا الأمر ودلالته على قيمة هذه العصبة وقيمة هذا الدين في ميزان الله ؛ إلا أن الله سبحانه لا يدع المسلمين يفهمون أن هناك سبباً ينشئ نتيجة ، إنما يرد الأمر كله إليه - سبحانه - تصحيحاً لعقيدة المسلم وتصوره . فهذه الاستجابة ، وهذا المدد ، وهذا الإخبار به . . . كل ذلك لم يكن إلا بشرى ، ولتطمئن به القلوب . أما النصر فلم يكن إلا من عند الله ولا يكون . . هذه هي الحقيقة الاعتقادية التي يقررها السياق القرآني هنا ، حتى لا يتعلق قلب المسلم بسبب من الأسباب أصلاً . .
لقد كان حسب المسلمين أن يبذلوا ما في طوقهم فلا يستبقوا منه بقية ؛ وأن يغالبوا الهزة الأولى التي أصابت بعضهم في مواجهة الخطر الواقعي ، وأن يمضوا في طاعة أمر الله ، واثقين بنصر الله . . كان حسبهم هذا لينتهي دورهم ويجيء دور القدرة التي تصرفهم وتدبرهم . . وما عدا هذا فكان بشارة مطمئنة ، وتثبيتاً للقلوب في مواجهة الخطر الواقعي . . وإنه لحسب العصبة المؤمنة أن تشعر أن جند الله معها لتطمئن قلوبها وتثبت في المعركة . ثم يجيء النصر من عند الله وحده . حيث لا يملك النصر غيره . وهو ( العزيز ) القادر الغالب على أمره . وهو ( الحكيم ) الذي يحل كل أمر محله . .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلاّ بُشْرَىَ وَلِتَطْمَئِنّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النّصْرُ إِلاّ مِنْ عِندِ اللّهِ إِنّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } . .
يقول تعالى ذكره : لم يجعل الله إرداف الملائكة بعضها بعضا وتتابعها بالمصير إليكم أيها المؤمنون مددا لكم إلاّ بشرى لكم : أي بشارة لكم تبشركم بنصر الله إياكم على أعدائكم . وَلِتَطْمَئِنّ بِهِ قُلوبُكُمْ يقول : ولتسكن قلوبكم بمجيئها إليكم ، وتوقن بنصرة الله لكم ، وَما النّصْرُ إلاّ مِنْ عِنْدِ اللّهِ : يقول : وما تُنصرون على عدوّكم أيها المؤمنون إلاّ أن ينصركم الله عليهم ، لا بشدة بأسكم وقواكم ، بل بنصر الله لكم ، لأن ذلك بيده وإليه ، ينصر من يشاء من خلقه . إنّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ يقول : إن الله الذي ينصركم وبيده نصر من يشاء من خلقه ، عزيز لا يقهره شيء ، ولا يغلبه غالب ، بل يقهر كلّ شيء ويغلبه ، لأنه خلقه حكيم ، يقول : حكيم في تدبيره ونصره من نصر ، وخذلانه من خذل من خلقه ، لا يدخل تدبيره وهن ولا خلل .
ورُوي عن عبد الله بن كثير ، عن مجاهد في ذلك ما :
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج عن ابن جريج ، قال : أخبرني ابن كثير أنه سمع مجاهدا يقول : ما مْدّ النبيّ صلى الله عليه وسلم مما ذكر الله غير ألف من الملائكة مردفين ، وذكر الثلاثة والخمسة بشرى ، ما مدّوا بأكثر من هذه الألف الذي ذكر الله عزّ وجلّ في الأنفال . وأما الثلاثة والخمسة ، فكانت بشرى .
وقوله تعالى : { وما جعله الله } الآية ، الضمير في { جعله } عائد على الوعد .
قال القاضي أبو محمد : وهذا عندي أمكن الأقوال من جهة المعنى ، وقال الزجّاج : الضمير عائد على المدد ، ويحتمل أن يعود على الإمداد ، وهذا يحسن مع قول من يقول إن الملائكة لم تقاتل وإنما أنست بحضورها مع المسلمين .
قال القاضي أبو محمد : وهذا عندي ضعيف ترده الأحاديث الواردة بقتال الملائكة وما رأى من ذلك أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كابن مسعود وغيره ، ويحتمل أن يعود على الإرداف وهو قول الطبري ، وهذا أيضاً يجري مجرى القول الذي قبله ويحتمل أن يعود على «الألف » وهذا أيضاً كذلك ، لأن البشرى بالشيء إنما هي ما لم يقع بعد ، و «البشرى » مصدر من بشرت ، والطمأنينة السكون والاستقرار وقوله { وما النصر إلا من عند الله } توقيف على أن الأمر كله لله وأن تكسب المرء لا يغني إذا لم يساعده القدر وإن كان مطلوباً بالجد كما ظاهر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين درعين ، وهذه القصة كلها من قصة الكفار وغلبة المؤمنين لهم تليق بها من صفات الله عز وجل العزة والحكمة إذا تؤمل ذلك .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.