نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{وَمَا جَعَلَهُ ٱللَّهُ إِلَّا بُشۡرَىٰ وَلِتَطۡمَئِنَّ بِهِۦ قُلُوبُكُمۡۚ وَمَا ٱلنَّصۡرُ إِلَّا مِنۡ عِندِ ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (10)

ولما كانت نصرة المسلمين في هذه الغزوة ظاهرة جداً ، قال : { وما جعله الله } اي الإمداد والوعد به على ما له سبحانه من العظمة التي من راقبها لم يهب شيئاً { إلا بشرى } أي{[34621]} لتستبشر به نفوسكم ، ولم يحتج إلى تقييد بأن يقال : لكم ، وأما في قصة أحد فقد كان المقتول{[34622]} منهم أكثر من المقتول{[34623]} من الكفار فلولا قوله " لكم " لربما طرق بعض الأوهام حين سماع أول الكلام أن الإمداد بشرى للكفار .

ولما كان الذي وقع الحكم به هنا على الإمداد أنه بشرى نفسه من غير قيد ، علم أن العناية به أشد ، فكان المحكوم به الطمأنينة كذلك ، فكان أصل الكلام : إلا بشرى هو وطمأنينة هو ، فلذلك وجب{[34624]} تقديم ضميره في قوله " به " على القلوب تأكيداً لأمره وتفخيماً لشأنه ، وإشارة إلى إتمامه على عادة العرب في تقديم ماهم به أعنى وهو عندهم أهم فقال : { ولتطمئن } أي وطمأنينة لتطمئن { به } أي وحده من غير نظر إلى شيء من قوتكم ولا غيرها { قلوبكم } فالآية من الاحتباك ، وأما في قصة أحد فلما قيدت البشرى بالإمداد بلكم لما تقدم ، علم أن الطمأنينة كذلك ، فكان الأنسب تأخير ضميره وتقديم القلوب الملابسة لضميرهم موازنة لقوله " لكم " .

ولما كان ذلك مفهماً أن النصر ليس إلا بيده وأن شيئاً من الإمداد أو غيره لا يوجب النصر بذاته ، صرح به في قوله : { وما النصر } أي حاصلاً وموجوداً بالملائكة وغيرهم من الأسباب { إلا من عند الله } أي لأن له{[34625]} وحده صفات الكمال ، فما عنده ليس منحصراً في الإمداد بالملائكة فالنصر وإن كان بها فليس من عندها ، فلا تعتمدوا على وجودها ولا تهنوا بفقدها اعتماداً عليه سبحانه خاصة ، فإن ما عنده من الأسباب لا يحاط به علماً ، هذا إذا أراد النصر بالأسباب ، وإن أراد بغير ذلك فعل فكان التعبير بعند لإفهام{[34626]} ذلك .

ولما كانت هذه الغزوة في أول الأمر ، وكانوا بعد بروز الوعد الصادق لهم بإحدى الطائفتين كارهين للقاء ذات الشوكة جداً ، ثم وقع لهم ما وقع من النصر ، كان المقام مقتضياً لإثبات عزة الله وحكمته على سبيل التأكيد إعلاماً بأن صفات الكمال ثابتة له دائماً ، فهو ينصر من صبر واتقى بعزته ، ويحكم أمره{[34627]} على أتم وجه بحكمته ، هذا فعله دائماً كما فعل في هذه الغزوة فلذلك قال معللاً لما{[34628]} قبله مؤكداً : { إن الله } أي الملك الأعظم { عزيز } أي هو في غاية الامتناع والقهر لمن{[34629]} يريد قهره أزلاً وأبدا . لا يغالب ولا يحوج وليه إلى{[34630]} زيادة العدد ولا نفاسة العدد { حكيم } أي إذا قضى أمراً كان في غاية الإتقان والإحكام ، فلا يستطيع أحد نقص شيء منه ، هذا له دائماً ، فهو يفعل في نصركم هكذا{[34631]} مهما استأنستم{[34632]} إلى بشراه ولم تنظروا إلى قوتكم ولا غيرها مما سواه فلا تقلقوا{[34633]} إذا أمركم بالهجوم على البأس{[34634]} ولو كان فيه لقاء جميع الناس .

ولما أكد هنا ، لم يحتج إلى إعادة تأكيده في آل عمران فقيل{ العزيز الحكيم{[34635]} }[ آل عمران : 126 ] أي الذي أخبركم عن عزته وحكمته في غزوة بدر بما يليق بذلك المقام من التأكيد ، وأخبركم أنكم إن فاديتم الأسرى قتل منها في العام المقبل{[34636]} مثل عددهم ، فوقوع{[34637]} الأمر على ما قال مغن عن التأكيد ، ولم يكن أحد{[34638]} من المسلمين في أحد متردداً في اللقاء ولا هائباً له الإ ما وقع من الهم بالفشل من الطائفتين والعصمة منه في الحال ، وقد مضى في آل عمران لهذا مزيد بيان .


[34621]:زيد من ظ.
[34622]:سقط مابين الرقمين من ظ.
[34623]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[34624]:سقط من ظ.
[34625]:سقط من ظ.
[34626]:في ظ: الافهام.
[34627]:من ظ، وفي الأصل: امر.
[34628]:من ظ، وفي الأصل: كما.
[34629]:من ظ، وفي الأصل: بمن.
[34630]:سقط من ظ.
[34631]:في ظ: هذا.
[34632]:من ظ، وفي الأصل: استانسهم.
[34633]:من ظ، وفي الأصل: فلا تغفلوا.
[34634]:من ظ، وفي الأصل: الناس.
[34635]:راجع آية 126.
[34636]:زيد من ظ.
[34637]:من ظ، وفي الأصل: فوقع.
[34638]:سقط من ظ.