إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَمَا جَعَلَهُ ٱللَّهُ إِلَّا بُشۡرَىٰ وَلِتَطۡمَئِنَّ بِهِۦ قُلُوبُكُمۡۚ وَمَا ٱلنَّصۡرُ إِلَّا مِنۡ عِندِ ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (10)

{ وَمَا جَعَلَهُ الله } كلامٌ مستأنفٌ سيق لبيان أن الأسبابَ الظاهرةَ بمعزل من التأثير وإنما التأثير مختصٌّ به عز وجل ليثق المؤمنون ولا يقنَطوا من النصر عند فُقدانِ أسبابِه ، والجعلُ متعدَ إلى مفعول واحد هو الضميرُ العائد إلى مصدر فعلٍ مقدرٍ يقتضيه المقامُ اقتضاءً ظاهراً مُغنياً عن التصريح به ، كأنه قيل : فأمدكم بهم وما جعل إمدادَكم بهم { إِلاَّ بشرى } وهو استثناءٌ مفرّغٌ من أعم العلل أي وما جعل إمدادَكم بإنزال الملائكة عياناً لشيء من الأشياء إلا للبشرى لكم بأنكم تنصرون { وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ } أي بالإمداد { قُلُوبُكُمْ } وتسكنَ إليه نفوسُكم كما كانت السكينةُ لبني إسرائيلَ كذلك ، فكلاهما مفعولٌ له للجعل ، وقد نُصب الأولُ لاجتماع شرائطِه وبقي الثاني على حاله لفقدانها ، وقيل : للإشارة إلى أصالته في العِلّية وأهميتِه في نفسه كما قيل في قوله تعالى : { والخيل والبغال والحمير لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً } وفي قصر الإمدادِ عليهما إشعارٌ بعدم مباشرةِ الملائكةِ للقتال وإنما كان إمدادُهم بتقوية قلوب المباشرين وتكثيرِ سوادِهم ونحوه كما هو رأيُ بعضِ السلف وقيل : الجعلُ متعد إلى اثنين ثانيهما إلا بشرى على أنه استثناءٌ من أعم المفاعيل ، أي وما جعله الله شيئاً من الأشياء إلا بشارةً لكم فاللام في ولتطمئن متعلقةٌ بمحذوف مؤخر تقديره ولتطمئن به قلوبُكم فعَلَ ذلك لا لشيء آخَرَ { وَمَا النصر } أي حقيقةُ النصر على الإطلاق { إِلاَّ مِنْ عِندِ الله } أي إلا كائنٌ من عنده عز وجل من غير أن يكون فيه شركةٌ من جهة الأسبابِ والعددِ ، وإنما هي مظاهرُ له بطريق جريانِ السنةِ الإلهية { أَنَّ الله عَزِيزٌ } لا يغالَب في حُكمه ولا يُنازَع في أقضيته { حَكِيمٌ } يفعل كلَّ ما يفعل حسبما تقتضيه الحِكمةُ والمصلحةُ ، والجملةُ تعليلٌ لما قبلها متضمنٌ للإشعار بأن النصرَ الواقعَ على الوجه المذكورِ من مقتَضَيات الحِكَم البالغةِ .