تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ كَانُواْ عَٰهَدُواْ ٱللَّهَ مِن قَبۡلُ لَا يُوَلُّونَ ٱلۡأَدۡبَٰرَۚ وَكَانَ عَهۡدُ ٱللَّهِ مَسۡـُٔولٗا} (15)

والحال أنهم قد { عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولًا } سيسألهم عن ذلك العهد ، فيجدهم قد نقضوه ، فما ظنهم إذًا ، بربهم ؟

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ كَانُواْ عَٰهَدُواْ ٱللَّهَ مِن قَبۡلُ لَا يُوَلُّونَ ٱلۡأَدۡبَٰرَۚ وَكَانَ عَهۡدُ ٱللَّهِ مَسۡـُٔولٗا} (15)

9

هكذا يكشفهم القرآن ؛ ويقف نفوسهم عارية من كل ستار . . ثم يصمهم بعد هذا بنقض العهد وخلف الوعد . ومع من ? مع الله الذي عاهدوه من قبل على غير هذا ؛ ثم لم يرعوا مع الله عهدا :

( ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل لا يولون الأدبار . وكان عهد الله مسؤولا ) .

قال ابن هشام من رواية ابن إسحاق في السيرة : هم بنو حارثة ، وهم الذين هموا أن يفشلوا يوم أحد مع بني سلمة حين همتا بالفشل يومها . ثم عاهدوا الله ألا يعودوا لمثلها أبدا . فذكر لهم الذي أعطوا من أنفسهم .

فأما يوم أحد فقد تداركهم الله برحمته ورعايته ، وثبتهم ، وعصمهم من عواقب الفشل . وكان ذلك درسا من دروس التربية في أوائل العهد بالجهاد . فأما اليوم ، وبعد الزمن الطويل ، والتجربة الكافية ، فالقرآن يواجههم هذه المواجهة العنيفة .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ كَانُواْ عَٰهَدُواْ ٱللَّهَ مِن قَبۡلُ لَا يُوَلُّونَ ٱلۡأَدۡبَٰرَۚ وَكَانَ عَهۡدُ ٱللَّهِ مَسۡـُٔولٗا} (15)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَلَقَدْ كَانُواْ عَاهَدُواْ اللّهَ مِن قَبْلُ لاَ يُوَلّونَ الأدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللّهِ مَسْئُولاً } .

يقول تعالى ذكره : ولقد كان هؤلاء الذين يستأذنون رسول الله صلى الله عليه وسلم في الانصراف عنه ، ويقولون إن بيوتنا عورة ، عاهدوا الله من قبل ذلك ، إن لا يولوا عدوّهم الأدبار ، إن لقولهم في مشهد لرسول الله صلى الله عليه وسلم معهم ، فما أوفوا بعهدهم وكانَ عَهْد اللّهِ مَسْئُولاً يقول : فيسأل الله ذلك من أعطاه إياه من نفسه . وذُكر أن ذلك نزل في بني حارثة لما كان من فعلهم في الخندق بعد الذي كان منهم بأُحد . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : ثني يزيد بن رومان وَلَقَدْ كانُوا عاهَدُوا اللّهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلّونَ الأَدْبارَ ، وكانَ عَهْدُ اللّهِ مَسْئُولاً وهم بنو حارثة ، وهم الذين همّوا أن يفشلوا يوم أُحد مع بني سلمة حين همّا بالفشل يوم أُحد ، ثم عاهدوا الله لا يعودون لمثلها ، فذكر الله لهم الذي أعطوه من أنفسهم .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله وَلَقَدْ كانُوا عاهَدُوا اللّهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلّونَ الأدْبارَ وكانَ عَهْدُ اللّهِ مَسْئُولاً قال : كان ناس غابوا عن وقعة بدر ، ورأوا ما أعطى الله أصحاب بدر من الكرامة والفضيلة ، فقالوا : لئن أشهدنا الله قتالاً لنقاتلنّ ، فساق الله ذلك إليهم حتى كان في ناحية المدينة .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ كَانُواْ عَٰهَدُواْ ٱللَّهَ مِن قَبۡلُ لَا يُوَلُّونَ ٱلۡأَدۡبَٰرَۚ وَكَانَ عَهۡدُ ٱللَّهِ مَسۡـُٔولٗا} (15)

{ ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل لا يولون الأدبار } يعني بني حارثة عاهدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد حين فشلوا ثم تابوا أن لا يعودوا لمثله . { وكان عهد الله مسئولا } عن الوفاء به مجازى عليه .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ كَانُواْ عَٰهَدُواْ ٱللَّهَ مِن قَبۡلُ لَا يُوَلُّونَ ٱلۡأَدۡبَٰرَۚ وَكَانَ عَهۡدُ ٱللَّهِ مَسۡـُٔولٗا} (15)

هؤلاء هم بنو حارثة وبنو سَلِمة وهم الذين قال فريق منهم { إن بيوتنا عورة } [ الأحزاب : 13 ] واستأذن النبي صلى الله عليه وسلم أي كانوا يوم أُحُد جبُنوا ثم تابوا وعاهدوا النبي صلى الله عليه وسلم أنهم لا يُولُّون الأدبار في غزوة بعدها ، وهم الذين نزل فيهم قوله تعالى : { إذ همَّت طائفتان منكم أن تفشلا والله وليهما } [ آل عمران : 122 ] ؛ فطَرأ على نفر من بني حارثة نفاق وضعف في الإيمان فذكَّرهم الله بذلك وأراهم أن منهم فريقاً قُلَّباً لا يرعى عهداً ولا يستقر لهم اعتقاد وأن ذلك لضعف يقينهم وغلبة الجبن عليهم حتى يدعوهم إلى نبذ عهد الله . وهذا تنبيه للقبيلين ليزجروا مَنْ نكث منهم . وتأكيد هذا الخبر بلام القسم وحرف التحقيق وفعل كان ، مع أن الكلام موجه إلى المؤمنين تنزيلاً للسامعين منزلة من يتردد في أنهم عاهدوا الله على الثبات .

وزيادة { من قبل } للإشارة إلى أن ذلك العهد قديم مستقر وهو عهد يوم أحد . وجملة { لا يولون الأدبار } بيان لجملة { عاهدوا } .

والتولية : التوجه بالشيء وهي مشتقة من الوَلْي وهو القرب ، قال تعالى : { فوَلِّ وجهَك شطر المسجد الحرام } [ البقرة : 144 ] .

و { الأدبار } : الظهور . وتولية الأدبار : كناية عن الفرار فإن الذي استأذنوا لأجله في غزوة الخندق أرادوا منه الفرار ألا ترى قوله { إن يريدون إلا فراراً } [ الأحزاب : 13 ] ، والفرار مما عاهدوا الله على تركه .

وجملة { وكان عهد الله مسؤولا } تذييل لجملة { ولقد كانوا عاهدوا } الخ . . . والمراد بعهد الله : كل عهد يوثقه الإنسان مع ربه .

والمسؤول : كناية عن المحاسب عليه كقول النبي صلى الله عليه وسلم « وكلكم مسؤول عن رعيته » وكما تقدم آنفاً عند قوله تعالى : { ليسأل الصادقين عن صدقهم } [ الأحزاب : 8 ] وهذا تهديد .