اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَلَقَدۡ كَانُواْ عَٰهَدُواْ ٱللَّهَ مِن قَبۡلُ لَا يُوَلُّونَ ٱلۡأَدۡبَٰرَۚ وَكَانَ عَهۡدُ ٱللَّهِ مَسۡـُٔولٗا} (15)

قوله : { وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا الله مِن قَبْلُ } أي من قبل غزوة الخندق { لاَ يُوَلُّونَ الأدبار } عدوهم أي لا ينهزمون قال يزيد بن رومان{[43248]} : هم بنو حارثة هموا يوم الخندق أن يَقْتَتِلُوا مع بني سلمة ، فلما نزل فيهم ما نزل عاهدوا الله أن لا يعودوا لمثلها ، وقال قتادة : هم ناس كانوا{[43249]} قد غابوا عن واقعة بدر ورأوا ما أعطى الله أهل بدر من الكرامة والفضيلة وقالوا لئن أَشْهَدَنَا اللَّهُ قتالاً لَنُقَاتِلَنَّ فساق الله إليهم ذلك وقال مقاتل{[43250]} والكلبي :

«هم سبعون رجلاً جاءوا بايعوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم{[43251]} - ليلة العقبة وقالوا اشترط لنفسك ولربك ما شئتَ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - أشترط لربي أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً ، وأشترط لنفسي أن تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأزواجكم وأولادكم قالوا : وإذا فعلنا ذلك ( فما لنا{[43252]} يا رسول الله ؟ قال : لكم النصر في الدنيا والجنة في الآخرة ، قالوا : قد فعلنا فذلك ) عهدهم » ، وهذا القول ليس بمَرْضِيٍّ ؛ لأن الذين بايعوا ليلة العقبة كانوا سبعين لم يكن فيهم شَاكٌّ ولا مَنْ يقول مثل هذا القول وإنما الآية في قوم عاهدوا الله أن يقاتلوا ولا يَفِرُّوا فَنَقَضُوا العهد . وهذا بيان لفساد سريرتهم وقبح سيرتهم لنقضهم العهود فإنهم قبل ذلك تخلفوا وأظهروا عذراً ونَدَماً ثم هددهم بقوله : { وَكَانَ عَهْدُ الله مَسْئُولاً } أي مَسْؤُولاً عنه .

قوله : «لاَ يُوَلُّونَ » جواب لقوله : «عَاهَدُوا » لأنه في معنى : «أقسموا »{[43253]} وجاء على حكاية اللفظ فجاء بلفظ الغيبة ولو جاء على حكاية المعنى لقيل : لا يُولِّي ، والمفعول الأول محذوف أي يولون العدو الأدبار{[43254]} . وقال أبو البقاء : ويقرأ بالتشديد تشديد النون وحذف الواو على تأكيد جواب القسم{[43255]} . قال شهاب الدين : ولا{[43256]} أظن هذا إلا غلطاً منه وذلك أنه إما أن يُقْرأ مع ذلك بلا النافية أو بلام التأكيد{[43257]} ، والأول لا يجوز لأن المضارع المنفي بلا لا يؤكد بالنون إلا ما نَدَرَ مما لا يقاس عليه والثاني فاسد المعنى .


[43248]:القرطبي 14/150.
[43249]:السابق.
[43250]:السابق وانظر: زاد المسير في علم التفسير لابن الجوزي 6/362 و 363.
[43251]:انظر: القرطبي 14/150.
[43252]:ما بين القوسين كله ساقط من "ب".
[43253]:ذكره في التبيان 1053 والبيان 2/265 والدر المصون 4/372.
[43254]:ذكره في البحر 7/219 والدر المصون 4/372.
[43255]:ذكره في التبيان 1053.
[43256]:ذكره في الدر المصون 4/372.
[43257]:قال ابن يعيش في شرح المفصل 21/ج 9: "وأما الداخلة على الفعل فهي تدخل على الماضي والمستقبل فإذا دخلت على المستقبل فلا بد من النون الثقيلة أو الخفيفة؛ فاللام للتأكيد وتفصل بين النفي والإيجاب". انظره في 9/21 بتفصيل.