تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{بَلۡ نَقۡذِفُ بِٱلۡحَقِّ عَلَى ٱلۡبَٰطِلِ فَيَدۡمَغُهُۥ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٞۚ وَلَكُمُ ٱلۡوَيۡلُ مِمَّا تَصِفُونَ} (18)

{ 18 - 20 ْ } { بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ * وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ * يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ ْ }

يخبر تعالى ، أنه تكفل بإحقاق الحق وإبطال الباطل ، وإن كل باطل قيل وجودل به ، فإن الله ينزل من الحق والعلم والبيان ، ما يدمغه ، فيضمحل ، ويتبين لكل أحد بطلانه { فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ ْ } أي : مضمحل ، فانٍ ، وهذا عام في جميع المسائل الدينية ، لا يورد مبطل ، شبهة ، عقلية ولا نقلية ، في إحقاق باطل ، أو رد حق ، إلا وفي أدلة الله ، من القواطع العقلية والنقلية ، ما يذهب ذلك القول الباطل ويقمعه فإذا هو متبين بطلانه لكل أحد .

وهذا يتبين باستقراء المسائل ، مسألة مسألة ، فإنك تجدها كذلك ، ثم قال : { وَلَكُمْ ْ } أيها الواصفون الله ، بما لا يليق به ، من اتخاذ الولد والصاحبة ، ومن الأنداد والشركاء ، حظكم من ذلك ، ونصيبكم الذي تدركون به { الْوَيْلُ ْ } والندامة والخسران .

ليس لكم مما قلتم فائدة ، ولا يرجع عليكم بعائدة تؤملونها ، وتعملون لأجلها ، وتسعون في الوصول إليها ، إلا عكس مقصودكم ، وهو الخيبة والحرمان .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{بَلۡ نَقۡذِفُ بِٱلۡحَقِّ عَلَى ٱلۡبَٰطِلِ فَيَدۡمَغُهُۥ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٞۚ وَلَكُمُ ٱلۡوَيۡلُ مِمَّا تَصِفُونَ} (18)

إنما الناموس المقرر والسنة المطردة ألا يكون هناك لهو ، إنما يكون هناك جد ، ويكون هناك حق ، فيغلب الحق الأصيل على الباطل العارض :

( بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ) . .

و( بل )للإضراب عن الحديث في موضوع اللهو ؛ والعدول عنه إلى الحديث في الواقع المقرر الذي تجري به السنة ويقتضيه الناموس . وهو غلبة الحق وزهوق الباطل .

والتعبير يرسم هذه السنة في صورة حسية حية متحركة . فكأنما الحق قذيفة في يد القدرة . تقذف به على الباطل ، فيشق دماغه ! فإذا هو زاهق هالك ذاهب . .

هذه هي السنة المقررة ، فالحق أصيل في طبيعة الكون ، عميق في تكوين الوجود . والباطل منفي عن خلقة هذا الكون أصلا ، طاريء لا أصالة فيه ، ولا سلطان له ، يطارده الله ، ويقذف عليه بالحق فيدمغه . ولا بقاء لشيء يطارده الله ؛ ولا حياة لشيء تقذفه يد الله فتدمغه !

ولقد يخيل للناس أحيانا أن واقع الحياة يخالف هذه الحقيقة التي يقررها العليم الخبير . وذلك في الفترات التي يبدو فيها الباطل منتفشا كأنه غالب ، ويبدو فيها الحق منزويا كأنه مغلوب . وإن هي إلا فترة من الزمان ، يمد الله فيها ما يشاء ، للفتنة والابتلاء . ثم تجري السنة الأزلية الباقية التي قام عليها بناء السماء والأرض ؛ وقامت عليها العقائد والدعوات سواء بسواء .

والمؤمنون بالله لا يخالجهم الشك في صدق وعده ؛ وفي أصالة الحق في بناء الوجود ونظامه ؛ وفي نصرة الحق الذي يقذف به على الباطل فيدمغه . . فإذا ابتلاهم الله بغلبة الباطل حينا من الدهر عرفوا أنها الفتنة ؛ وأدركوا أنه الابتلاء ؛ وأحسوا أن ربهم يربيهم ، لأن فيهم ضعفا أو نقصا ؛ وهو يريد أن يعدهم لاستقبال الحق المنتصر ، وأن يجعلهم ستار القدرة ، فيدعهم يجتازون فترة البلاء يستكملون فيها النقص ويعالجون فيها الضعف . . وكلما سارعوا إلى العلاج قصر الله عليهم فترة الابتلاء ، وحقق على أيديهم ما يشاء . أما العاقبة فهي مقررة : ( بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق )والله يفعل ما يريد .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{بَلۡ نَقۡذِفُ بِٱلۡحَقِّ عَلَى ٱلۡبَٰطِلِ فَيَدۡمَغُهُۥ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٞۚ وَلَكُمُ ٱلۡوَيۡلُ مِمَّا تَصِفُونَ} (18)

القول في تأويل قوله تعالى : { بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمّا تَصِفُونَ } .

يقول تعالى ذكره : ولكن ننزل الحقّ من عندنا ، وهو كتاب الله وتنزيله على الكفر به وأهله ، فيَدْمَغُهُ يقول : فيهلكه كما يدمغ الرجل الرجل بأن يشجّه على رأسه شجة تبلغ الدماغ ، وإذا بلغت الشجة ذلك من المشجوج لم يكن له بعدها حياة .

وقوله فإذَا هُوَ زَاهِقٌ يقول : فإذا هو هالك مضمحلّ كما :

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قَتادة : فإذَا هَوَ زَاهِقٌ قال : هالك .

حدثنا بِشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : فإذَا هُوَ زَاهِقٌ قال : ذاهب . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بِشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : بَلْ نَقْذِفُ بالحَقّ عَلى الباطِلِ فَيَدْمَغُهُ فإذَا هُوَ زَاهِقٌ والحقّ كتاب الله القرآن ، والباطل : إبليس ، فَيدْمَغُهُ فإذَا هُوَ زَاهِقٌ أي ذاهب .

وقوله : وَلَكُمُ الوَيْلُ مِمّا تَصِفُونَ يقول : ولكم الويل من وصفكم ربكم بغير صفته ، وقِيلكم إنه اتخذ زوجة وولدا ، وفِريتكم عليه .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل ، إلا أن بعضهم قال : معنى تصفون تكذبون . وقال آخرون : معنى ذلك : تشركون . وذلك وإن اختلفت به الألفاظ فمتفقة معانيه لأن من وصف الله بأن له صاحبة فقد كذب في وصفه إياه بذلك ، وأشرك به ، ووصفه بغير صفته . غير أن أولى العبارات أن يُعَبر بها عن معاني القرآن أقربها إلى فهم سامعيه . ذكر من قال ما قلنا في ذلك :

حدثنا بِشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وَلَكُمْ الوَيْلُ مِمّا تَصِفُونَ أي تكذبون .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج : وَلَكُمُ الوَيْلُ مِمّا تَصِفونَ قال : تشركون وقوله عَمّا يَصِفُونَ قال : يشركون قال : وقال مجاهد : سيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ قال : قولَهم الكذب في ذلك .