تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَمَا يَسۡتَوِي ٱلۡأَعۡمَىٰ وَٱلۡبَصِيرُ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ وَلَا ٱلۡمُسِيٓءُۚ قَلِيلٗا مَّا تَتَذَكَّرُونَ} (58)

ثم قال تعالى : { وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَلَا الْمُسِيءُ } أي : كما لا يستوي الأعمى والبصير ، كذلك لا يستوي من آمن بالله وعمل الصالحات ، ومن كان مستكبرًا على عبادة ربه ، مقدمًا على معاصيه ، ساعيًا في مساخطه ، { قَلِيلًا مَا تَتَذَكَّرُونَ } أي : تذكركم قليل{[771]} وإلا ، فلو تذكرتم مراتب الأمور ، ومنازل الخير والشر ، والفرق بين الأبرار والفجار ، وكانت لكم همة عليه ، لآثرتم النافع على الضار ، والهدى على الضلال ، والسعادة الدائمة ، على الدنيا الفانية .


[771]:- في النسختين (قليلاً).
 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَمَا يَسۡتَوِي ٱلۡأَعۡمَىٰ وَٱلۡبَصِيرُ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ وَلَا ٱلۡمُسِيٓءُۚ قَلِيلٗا مَّا تَتَذَكَّرُونَ} (58)

56

( وما يستوي الأعمى والبصير ) . . ( والذين آمنوا وعملوا الصالحات ولا المسيء ) . . فالبصير يرى ويعلم ؛ ويعرف قدره وقيمته ، ولا يتطاول ، ولا ينتفخ ولا يتكبر لأنه يرى ويبصر . والأعمى لا يرى ولا يعرف مكانه ، ولا نسبته إلى ما حوله ، فيخطىء تقدير نفسه وتقدير ما يحيط به ، ويتخبط هنا وهنالك من سوء التقدير . . وكذلك لا يستوي الذين آمنوا وعملوا الصالحات والمسيء . إن أولئك أبصروا وعرفوا فهم يحسنون التقدير .

وهذا عمي وجهل فهو يسيء . . يسيء كل شيء . يسيء إلى نفسه ، ويسيء إلى الناس . ويسيء قبل كل شيء إدراك قيمته وقيمة ما حوله . ويخطىء في قياس نفسه إلى ما حوله . فهو أعمى . . والعمى عمى القلوب !

( قليلاً ما تتذكرون ) . .

ولو تذكرنا لعرفنا . فالأمر واضح قريب . لا يحتاج إلى أكثر من التذكر والتذكير . .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَمَا يَسۡتَوِي ٱلۡأَعۡمَىٰ وَٱلۡبَصِيرُ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ وَلَا ٱلۡمُسِيٓءُۚ قَلِيلٗا مَّا تَتَذَكَّرُونَ} (58)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَمَا يَسْتَوِي الأعْمَىَ وَالْبَصِيرُ وَالّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصّالِحَاتِ وَلاَ الْمُسِيَءُ قَلِيلاً مّا تَتَذَكّرُونَ } .

وما يستوي الأعمى الذي لا يبصر شيئا ، وهو مثل الكافر الذي لا يتأمل حجج الله بعينيه ، فيتدبرها ويعتبر بها ، فيعلم وحدانيته وقُدرته على خلق ما شاء من شيء ، ويؤمن به ويصدّق . والبصير الذي يرى بعينيه ما شخص لهما ويبصره ، وذلك مَثل للمؤمن الذي يرى بعينيه حجج الله ، فيتفكّر فيها ويتعظ ، ويعلم ما دلت عليه من توحيد صانعه ، وعظيم سلطانه وقُدرته على خلق ما يشاء يقول جلّ ثناؤه : كذلك لا يستوي الكافر والمؤمن . والّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلوا الصَالحاتِ يقول جلّ ثناؤه : ولا يستوي أيضا كذلك المؤمنون بالله ورسوله ، المطيعون لربهم ، ولا المسيء ، وهو الكافر بربه ، العاصي له ، المخالف أمره قَلِيلاً ما تَتَذَكّرُونَ يقول جلّ ثناؤه : قليلاً ما تتذكرون أيها الناس حجج الله ، فتعتبرون وتتعظون يقول : لو تذكرتم آياته واعتبرتم ، لعرفتم خطأ ما أنتم عليه مقيمون من إنكاركم قدرة الله على إحيائه من فني من خلقه من بعد الفناء ، وإعادتهم لحياتهم من بعد وفاتهم ، وعلمتم قبح شرككم من تشركون في عبادة ربكم .

واختلفت القرّاء في قراءة قوله : تَتَذَكّرُونَ فقرأت ذلك عامة قرّاء أهل المدينة والبصرة : «يَتَذَكّرُونَ » بالياء على وجه الخبر ، وقرأته عامة قرّاء الكوفة : تَتَذّكُرُونَ بالتاء على وجه الخطاب ، والقول في ذلك أن القراءة بهما صواب .