وإنهم ليعرضون بعضهم على بعض( يبصرونهم )كأنما عمدا وقصدا ! ولكن لكل منهم همه ، ولكل ضمير منهم شغله . فلا يهجس في خاطر صديق أن يسأل صديقه عن حاله ، ولا أن يسأله عونه . فالكرب يلف الجميع ، والهول يغشى الجميع . .
فما بال( المجرم )? إن الهول ليأخذ بحسه ، وإن الرعب ليذهب بنفسه ، وإنه ليود لو يفتدي من عذاب يومئذ بأعز الناس عليه ، ممن كان يفتديهم بنفسه في الحياة ، ويناضل عنهم ، ويعيش لهم . . ببنيه . وزوجه . وأخيه ، وعشيرته القريبة التي تؤويه وتحميه . بل إن لهفته على النجاة لتفقده الشعور بغيره على الإطلاق ، فيود لو يفتدي بمن في الأرض جميعا ثم ينجيه . . وهي صورة للهفة الطاغية والفزع المذهل والرغبة الجامحة في الإفلات ! صورة مبطنة بالهول ، مغمورة بالكرب ، موشاة بالفزع ، ترتسم من خلال التعبير القرآني الموحي .
وقوله : يُبَصّرُونَهُمْ اختلف أهل التأويل في الذين عنوا بالهاء والميم في قوله يُبَصّرُونَهُمْ فقال بعضهم : عُنى بذلك الأقرباء أنهم يعرّفون أقربائهم ، ويعرّف كلّ إنسان قريبه ، فذلك تبصير الله إياهم . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : يُبَصّرُونَهُمْ قال : يعرَف بعضهم بعضا ، ويتعارفون بينهم ، ثم يفرّ بعضهم من بعض ، يقول : لكُلّ امْرِىْ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شأْنٌ يُغْنِيِهِ .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة يُبَصّرُونَهُمْ يعرّفونهم يعلمون ، والله ليعرّفنّ قوم قوما ، وأناس أناسا .
وقال آخرون : بل عُنِي بذلك المؤمنون أنهم يبصرون الكفار . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : يُبَصّرُونَهُمْ المؤمنون يبصرون الكافرين .
وقال آخرون : بل عُنِي بذلك الكفار الذين كانوا أتباعا لاَخرين في الدنيا على الكفر ، أنهم يعرفون المتبوعين في النار . ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : يُبَصّرونَهُمْ قال : يبصرون الذين أضلوهم في الدنيا في النار .
وأولى الأقوال في ذلك بالصحة ، قول من قال : معنى ذلك : ولا يسأل حميم حميما عن شأنه ، ولكنهم يبصرونهم فيعرفونهم ، ثم يفرّ بعضهم من بعض ، كما قال جلّ ثناؤه : يَوْمَ يَفِرّ المَرْءُ مِنْ أخِيهِ وأُمّهِ وأبِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ لِكُلّ امْرْىءٍ منهم يَوْمَئِذٍ شأْنٌ يُغْنِيهِ .
وإنما قلنا ذلك أولى التأويلات بالصواب ، لأن ذلك أشبهها بما دل عليه ظاهر التنزيل ، وذلك أن قوله : يُبَصّرُونَهُمْ تلا قوله : وَلا يَسألُ حَميمٌ حَميما فلأن تكون الهاء والميم من ذكرهم أشبه منها بأن تكون من ذكر غيرهم .
واختلفت القرّاء في قراءة قوله : وَلا يَسألُ فقرأ ذلك عامة قرّاء الأمصار سوى أبي جعفر القارىء وشَيبة بفتح الياء وقرأه أبو جعفر وشيبة : «وَلا يُسْئَلُ » بضم الياء ، يعني : لا يقال لحميم أين حميمك ؟ ولا يطلب بعضهم من بعض .
والصواب من القراءة عندنا فتح الياء ، بمعنى : لا يسأل الناس بعضهم بعضا عن شأنه ، لصحة معنى ذلك ، ولإجماع الحجة من القرّاء عليه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.