تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{ذُرِّيَّةَۢ بَعۡضُهَا مِنۢ بَعۡضٖۗ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (34)

وتسلسل الصلاح والتوفيق بذرياتهم ، فلهذا قال تعالى { ذرية بعضها من بعض } أي : حصل التناسب والتشابه بينهم في الخلق والأخلاق الجميلة ، كما قال تعالى لما ذكر جملة من الأنبياء الداخلين في ضمن هذه البيوت الكبار { ومن آبائهم وإخوانهم وذرياتهم واجتبيناهم وهديناهم إلى صراط مستقيم } { والله سميع عليم } يعلم من يستحق الاصطفاء فيصطفيه ومن لا يستحق ذلك فيخذله ويرديه ، ودل هذا على أن هؤلاء اختارهم لما علم من أحوالهم الموجبة لذلك فضلا منه وكرما ، ومن الفائدة والحكمة في قصه علينا أخبار هؤلاء الأصفياء أن نحبهم ونقتدي بهم ، ونسأل الله أن يوفقنا لما وفقهم ، وأن لا نزال نزري{[2]}  أنفسنا بتأخرنا عنهم وعدم اتصافنا بأوصافهم ومزاياهم الجميلة ، وهذا أيضا من لطفه بهم ، وإظهاره الثناء عليهم في الأولين والآخرين ، والتنويه بشرفهم ، فلله ما أعظم جوده وكرمه وأكثر فوائد معاملته ، لو لم يكن لهم من الشرف إلا أن أذكارهم مخلدة ومناقبهم مؤبدة لكفى بذلك فضلا .


[2]:- في ب: وأسقامها.
 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{ذُرِّيَّةَۢ بَعۡضُهَا مِنۢ بَعۡضٖۗ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (34)

33

( ذرية بعضها من بعض ، والله سميع عليم ) . .

ولقد ذكر السياق آدم ونوحا فردين ؛ وذكر آل إبراهيم وآل عمران أسرتين . إشارة إلى أن آدم بشخصه ونوحا بشخصه هما اللذان وقع عليهما الاصطفاء . فأما إبراهيم وعمران فقد كان الاصطفاء لهما ولذريتهما كذلك - على القاعدة التي تقررت في سورة البقرة عن آل إبراهيم : قاعدة أن وراثة النبوة والبركة في بيته ليست وراثة الدم ، إنما هي وراثة العقيدة : ( وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال : إني جاعلك للناس إماما . قال : ومن ذريتي ؟ قال : لا ينال عهدي الظالمين ) . .

وبعض الروايات تذكر أن عمران من آل إبراهيم . فذكر آل عمران إذن تخصيص لهذا الفرع لمناسبة خاصة ، هي عرض قصة مريم وقصة عيسى عليه السلام . . كذلك نلاحظ أن السياق لم يذكر من آل إبراهيم لا موسى ولا يعقوب [ وهو إسرائيل ] كما ذكر آل عمران . . ذلك أن السياق هنا يستطرد إلى الجدل حول عيسى بن مريم وحول إبراهيم - كما سيأتي في الدرس التالي - فلم تكن هناك مناسبة لذكر موسى في هذا المقام أو ذكر يعقوب . .