مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{ذُرِّيَّةَۢ بَعۡضُهَا مِنۢ بَعۡضٖۗ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (34)

أما قوله تعالى : { ذرية بعضها من بعض } ففيه مسألتان :

المسألة الأولى : في نصب قوله { ذرية } وجهان الأول : أنه بدل من آل إبراهيم والثاني : أن يكون نصبا على الحال ، أي اصطفاهم في حال كون بعضهم من بعض .

المسألة الثانية : في تأويل الآية وجوه الأول : ذرية بعضها من بعض في التوحيد والإخلاص والطاعة ، ونظيره قوله تعالى : { المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض } [ التوبة : 67 ] وذلك بسبب اشتراكهم في النفاق والثاني : ذرية بعضها من بعض بمعنى أن غير آدم عليه السلام كانوا متولدين من آدم عليه السلام ، ويكون المراد بالذرية من سوى آدم .

أما قوله تعالى : { والله سميع عليم } فقال القفال : المعنى والله سميع لأقوال العباد ، عليم بضمائرهم وأفعالهم ، وإنما يصطفى من خلقه من يعلم استقامته قولا وفعلا ، ونظيره قوله تعالى : { الله أعلم حيث يجعل رسالته } [ الأنعام : 124 ] وقوله { إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين } [ الأنبياء : 90 ] وفيه وجه آخر : وهو أن اليهود كانوا يقولون : نحن من ولد إبراهيم ومن آل عمران ، فنحن أبناء الله وأحباؤه ، والنصارى كانوا يقولون : المسيح ابن الله ، وكان بعضهم عالما بأن هذا الكلام باطل ، إلا أنه لتطييب قلوب العوام بقي مصرا عليه ، فالله تعالى كأنه يقول : والله سميع لهذه الأقوال الباطلة منكم ، عليم بأغراضكم الفاسدة من هذه الأقوال فيجازيكم عليها ، فكان أول الآية بيانا لشرف الأنبياء والرسل ، وآخرها تهديدا لهؤلاء الكاذبين الذين يزعمون أنهم مستقرون على أديانهم .

واعلم أنه تعالى ذكر عقيب هذه الآية قصصا كثيرة .