{ ربنا إنك جامع الناس ليوم لا ريب فيه إنك لا تخلف الميعاد } فمجازيهم بأعمالهم حسنها وسيئها ، وقد أثنى الله تعالى على الراسخين في العلم بسبع صفات هي عنوان سعادة العبد : إحداها : العلم الذي هو الطريق الموصل إلى الله ، المبين لأحكامه وشرائعه ، الثانية : الرسوخ في العلم وهذا قدر زائد على مجرد العلم ، فإن الراسخ في العلم يقتضي أن يكون عالما محققا ، وعارفا مدققا ، قد علمه الله ظاهر العلم وباطنه ، فرسخ قدمه في أسرار الشريعة علما وحالا وعملا ، الثالثة : أنه وصفهم بالإيمان بجميع كتابه ورد لمتشابهه إلى محكمه ، بقوله { يقولون آمنا به كل من عند ربنا } الرابعة : أنهم سألوا الله العفو والعافية مما ابتلي به الزائغون المنحرفون ، الخامسة : اعترافهم بمنة الله عليهم بالهداية وذلك قوله { ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا } السادسة : أنهم مع هذا سألوه رحمته المتضمنة حصول كل خير واندفاع كل شر ، وتوسلوا إليه باسمه الوهاب ، السابعة : أنه أخبر عن إيمانهم وإيقانهم بيوم القيامة وخوفهم منه ، وهذا هو الموجب للعمل الرادع عن الزلل .
{ رَبّنَآ إِنّكَ جَامِعُ النّاسِ لِيَوْمٍ لاّ رَيْبَ فِيهِ إِنّ اللّهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ }
يعني بذلك جل ثناؤه : أنهم يقولون أيضا مع قولهم آمنا بما تشابه من آي كتاب ربنا كل المحكم والمتشابه الذي فيه من عند ربنا يا ربنا إنك جامع الناس ليوم لا ريب فيه ، إن الله لا يخلف الميعاد . وهذا من الكلام الذي استغني بذكر ما ذكر منه عما ترك ذكره . وذلك أن معنى الكلام : ربنا إنك جامع الناس ليوم القيامة فاغفر لنا يومئذٍ ، واعف عنا ، فإنك لا تخلف وعدك ، أن من آمن بك ، واتبع رسولك ، وعمل بالذي أمرته به في كتابك أنك غافره يومئذٍ . وإنما هذا من القوم مسألة ربهم أن يثبتهم على ما هم عليه من حسن بصرتهم بالإيمان بالله ورسوله ، وما جاءهم به من تنزيله ، حتى يقبضهم على أحسن أعمالهم وإيمانهم ، فإنه إذا فعل ذلك بهم وجبت لهم الجنة ، لأنه قد وعد من فعل ذلك به من عباده أنه يدخله الجنة ، فالاَية وإن كانت قد خرجت مخرج الخبر ، فإن تأويلها من القوم مسألة ودعاء ورغبة إلى ربهم .
وأما معنى قوله : { لِيَوْمٍ لاَ رَيْبَ فِيهِ } فإنه لا شك فيه . وقد بينا ذلك بالأدلة على صحته فيما مضى قبل .
ومعنى قوله : { لِيَوْمٍ } في يوم ، وذلك يوم يجمع الله فيه خلقه لفصل القضاء بينهم في موقف العرض والحساب ، والميعاد : المفعال من الوعد .
قوله : { ربنا إنك جامع الناس ليوم لا ريب فيه } استحضروا عند طلب الرحمة أحْوجَ ما يكونون إليها ، وهو يومُ تكونُ الرحمة سبباً للفوز الأبدي ، فأعقبوا بذكر هذا اليوم دعاءَهم على سبيل الإيجاز ، كأنّهم قالوا : وهب لنا من لدنك رحمة ، وخاصّة يوم تجمّع الناس كقول إبراهيم : { ربنا اغفر لي ولوالديّ وللمؤمنين يوم يقوم الحساب } [ إبراهيم : 41 ] على ما في تذكّر يوم الجمع من المناسبة بعد ذكر أحوال الغواة والمهتدين ، والعلماءِ الراسخين .
ومعنى { لا ريب فيه } لا ريب فيه جديراً بالوقوع ، فالمراد نفي الريب في وقوعه . ونفوه على طريقة نفي الجنس لعدم الاعتداد بارتياب المرتابين ، هذا إذا جعلتَ ( فيه ) خبراً ، ولك أن تجعله صفةً لريبَ وتجعلَ الخبر محذوفاً على طريقة لا النافية للجنس ، فيكون التقدير : عندنا ، أو لَنَا .
وجملة { إن الله لا يخلف الميعاد } تعليل لنفي الريب أي لأنّ الله وعد بجمع الناس له ، فلا يخلف ذلك ، والمعنى : إنّ الله لا يُخلف خبرَه ، والميعاد هنا اسم مكان .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.