نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{رَبَّنَآ إِنَّكَ جَامِعُ ٱلنَّاسِ لِيَوۡمٖ لَّا رَيۡبَ فِيهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُخۡلِفُ ٱلۡمِيعَادَ} (9)

ولما كان من المعلوم من أول ما فرغ السمع من الكتاب في الفاتحة وأول البقرة و{[15065]}أثنائها أن{[15066]} للناس يوماً يدانون فيه وصلوا بقولهم السابق قوله : { ربنا إنك جامع } قال الحرالي : من الجمع ، وهو ضم ما شأنه الافتراق والتنافر لطفاً أو قهراً انتهى . { الناس } أي كلهم { ليوم } أي يدانون فيه { لا ريب فيه } ثم عللوا نفي الريب بقولهم عادلين عن الخطاب آتين{[15067]} بالاسم الأعظم لأن المقام للجلال : { إن الله } أي المحيط بصفات الكمال { لا يخلف{[15068]} } ولما كان نفي الخلف في زمن الوعد ومكانه أبلغ من نفي خلافه{[15069]} نفسه عبر{[15070]} بالمفعال فقال : { الميعاد * } وقال الحرالي : هو مفعال من الوعد ، و{[15071]}صيغ{[15072]} لمعنى تكرره{[15073]} ودوامه ، والوعد العهد في الخير{[15074]} انتهى . وكل ذلك تنبيهاً على أنه يجب التثبت{[15075]} في فهم الكتاب والإحجام عن مشكله خوفاً من الفضيحة يوم الجمع يوم يساقون إليه ويقفون بين يديه ، فكأنه تعالى يقول للنصارى : هب أنه أشكل عليكم بعض أفعالي{[15076]} وأقوالي في الإنجيل فهلا فعلتم فعل الراسخين فنزهتموني عما لا{[15077]} يليق بجلالي من التناقض وغيره ، ووكلتم أمر ذلك إليّ ، وعولتم{[15078]} في فتح مغلقه عليّ خوفاً من يوم الدين ؟ قال ابن الزبير : ثم لما بلغ الكلام إلى هنا أي إلى آية التصوير كان كأنه قد قيل : فكيف طرأ عليهم ما طرأ مع وجود الكتب ؟ فأخبر تعالى بشأن الكتاب وأنه محكم ومتشابه ، وكذا غيره من الكتب والله سبحانه وتعالى أعلم ، فحال أهل التوفيق تحكيم المحكم ، وحال أهل الزيغ اتباع المتشابه والتعلق به ، وهذا بيان لقوله : يضل به كثيراً ويهدي به كثيراً }{[15079]}[ البقرة : 26 ] وكل{[15080]} هذا بيان لكون الكتاب العزيز أعظم فرقان وأوضح بيان إذ قد أوضح أحوال المختلفين ومن أين أتى عليهم مع وجود الكتب ، وفي أثناء ذلك تنبيه العباد على عجزهم وعدم استبدادهم لئلا يغتر الغافل{[15081]} فيقول مع هذا البيان ووضوح الأمر : لا طريق إلى تنكب{[15082]} الصراط ، فنبهوا{[15083]} حين علموا الدعاء{[15084]} من قوله :{ وإياك نستعين }{[15085]}[ الفاتحة : 4 ] ثم كرر تنبيههم لشدة الحاجة ليذكر هذا أبداً ، ففيه معظم{[15086]} البيان ، ومن اعتقاد الاستبداد ينشأ الشرك الأكبر إذ اعتقاد الاستبداد بالأفعال إخراج لنصف{[15087]} الموجودات عن يد بارئها{[15088]}{ والله خلقكم وما تعملون }{[15089]}[ الصافات : 96 ] فمن التنبيه{[15090]}{ إن الذين كفروا }[ البقرة : 6 ] ومنه :{ يضل به كثيراً ويهدي به كثيراً{[15091]} }[ البقرة : 26 ] ومنه{ آمن الرسول }[ البقرة : 285 ] إلى خاتمتها ، هذا من {[15092]}جلي التنبيه{[15093]} ومحكمه ، ومما يرجع إليه ويجوز معناه بعد اعتباره :{ وإلهكم إله واحد{[15094]} }[ البقرة : 163 ] وقوله :{ الله لا إله إلا هو الحي القيوم{[15095]} }[ البقرة : 255 ] ، فمن رأى الفعل أو بعضه{[15096]} لغيره تعالى حقيقة فقد قال بإلهية{[15097]} غيره ، ثم حذروا أشد التحذير لما بين لهم فقال تعالى :{ إن الذين كفروا بآيات الله لهم عذاب شديد{[15098]} }[ آل عمران : 4 ] ثم ارتبطت الآيات إلى آخرها انتهى .


[15065]:من ظ، وفي الأصل: إتيانها ـ فقط.
[15066]:من ظ، وفي الأصل: إتيانها ـ فقط.
[15067]:من ظ، وفي الأصل: أبين.
[15068]:زيد بعده في ظ: ميعاد.
[15069]:من ظ، وفي الأصل: خلافة.
[15070]:من ظ، وفي الأصل: عير
[15071]:من ظ، وفي الأصل: عير.
[15072]:سقطت الواو من ظ.
[15073]:في ظ: المعنى يكرره.
[15074]:من ظ، وفي الأصل: الخبر.
[15075]:من ظ، وفي الأصل: التثبية.
[15076]:من ظ، وفي الأصل: أفعال.
[15077]:سقط من ظ.
[15078]:من ظ، وفي الأصل: وعونتم.
[15079]:سورة 2 آية 26.
[15080]:من ظ، وفي الأصل: وكان.
[15081]:في ظ: الفاعل.
[15082]:في ظ: تبكيت.
[15083]:في ظ: فينهوا.
[15084]:زيد من ظ.
[15085]:سورة 1 آية 4.
[15086]:من ظ، وفي الأصل: تعظيم.
[15087]:من ظ، وفي الأصل: النصف.
[15088]:في ظ: ناولها.
[15089]:سورة 37 آية 96.
[15090]:من ظ، وفي الأصل: التشبيه.
[15091]:سورة 2 آية 26.
[15092]:من ظ، وفي الأصل: التشبيه.
[15093]:من ظ، وفي الأصل: التشبيه.
[15094]:سورة 2 آية 163.
[15095]:سورة 2 آية 255.
[15096]:من ظ، وفي الأصل: يقصد.
[15097]:من ظ، وفي الأصل: بالهية.
[15098]:سورة 3 آية 4.