وقوله : إنّ في ذلكَ لاَياتٍ للْمُتَوَسّمِينَ يقول : إن في الذي فعلنا بقوم لوط من إهلاكهم وأحللنا بهم من العذاب لَعَلامات ودلالات للمتفرّسين المعتبرين بعلامات الله ، وعبره على عواقب أمور أهل معاصيه والكفر به . وإنما يعني تعالى ذكره بذلك قوم نبي الله صلى الله عليه وسلم من قريش يقول : فلِقومك يا محمد في قوم لوط ، وما حلّ بهم من عذاب الله حين كذّبوا رسولهم وتمادوا في غيهم وضلالهم ، مُعْتَبَرٌ .
وبنحو الذي قلنا في معنى قوله : للْمُتَوَسّمِينَ قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني عبد الأعلى بن واصل قال : حدثنا يعلى بن عبيد ، قال : حدثنا عبد الملك بن أبي سليمان ، عن قيس ، عن مجاهد ، في قوله : إنّ في ذلكَ لاَياتٍ للْمُتَوَسّمِينَ قال : للمتفرّسين .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا ابن فضيل ، عن عبد الملك وحدثنا الحسن الزعفراني ، قال : ثني محمد بن عبيد ، قال : ثني عبد الملك ، عن قيس ، عن مجاهد : إنّ في ذلكَ لاَياتٍ للْمُتَوَسّمِينَ قال للمتفرّسين .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء وحدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا شبابة ، قال : حدثنا ورقاء وحدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حُذيفة ، قال : حدثنا شبل وحدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبو أسامة ، قال : حدثنا شبل جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، قال : المتوسمين : المتفرسين . قال : توسّمت فيك الخير نافلة .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن عبد الملك بن أبي سليمان ، عن قيس ، عن مجاهد : إنّ في ذلكَ لاَياتٍ للْمُتَوَسّمِينَ قال : المتفرّسين .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس : إنّ في ذلكَ لاَياتٍ للْمُتَوَسّمِينَ يقول : للناظرين .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا محمد بن يزيد ، عن جويبر ، عن الضحاك : للْمُتَوَسّمِينَ قال للناظرين .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : إنّ في ذلكَ لاَياتٍ للْمُتَوَسّمِينَ : أي للمعتبرين .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، قوله : للمُتَوَسّمينَ قال : للمعتبرين .
حدثني محمد بن عُمارة ، قال : ثني حسن بن مالك ، قال : حدثنا محمد بن كثير ، عن عمرو بن قيس ، عن عطية ، عن أبي سعيد ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «اتّقُوا فِرَاسَةَ المُومِنِ فإنّهُ يَنْظُرُ بِنُورِ اللّهِ » . ثم قال النبيّ صلى الله عليه وسلم : «إنّ في ذلكَ لاَياتٍ للْمُتَوَسّمِينَ » .
حدثنا أحمد بن محمد الطّوسى ، قال : حدثنا محمد بن كثير مولى بني هاشم ، قال : حدثنا عمرو بن قيس المَلاَئي ، عن عطية ، عن أبي سعيد ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بمثله .
حدثني أحمد بن محمدالطوسى ، قال : حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا الفُرات بن السائب ، قال : حدثنا ميمون بن مهران ، عن ابن عمر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «اتّقُوا فِرَاسَةَ المُوءْمِنِ فإنّ المُوءْمِنَ يَنْظُرُ بِنُورِ اللّهِ » .
حدثنا عبد الأعلى بن واصل ، قال : ثني سعيد بن محمد الجَرْميّ ، قال : حدثنا عبد الواحد بن واصل ، قال : حدثنا أبو بشر المزلق ، عن ثابت البُنَانيّ ، عن أنس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنّ لله عِبادا يَعْرفُونَ النّاسَ بالتّوَسّمِ » .
حدثني يونس بن عبد الأعلى ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : إنّ في ذلكَ لاَياتٍ للْمُتَوَسّمِينَ قال : المتفكرون والمعتبرون الذين يتوسمون الأشياء ، ويتفكرون فيها ويعتبرون . .
حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : للْمُتَوَسّمِينَ يقول : للناظرين .
حدثني أبو شرحبيل الحِمْصِيّ ، قال : حدثنا سليمان بن سلمة ، قال : حدثنا المؤمل بن سعيد بن يوسف الرحبيّ ، قال : حدثنا أبو المعلّى أسد بن وداعة الطائي ، قال : حدثنا وهب بن منبه ، عن طاوس بن كيسان ، عن ثوبان ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «احْذَرُوا فِرَاسَةَ المُوءْمِنِ فإنّهُ يَنْظُرُ بِنُورِ اللّهِ وَيَنْطِقُ بِتَوْفِيقِ اللّهِ » .
و «المتوسمون » قال مجاهد المتفرسون ، وقال الضحاك الناظرون ، وقال قتادة المعتبرون ، وقيل غير هذا مما هو قريب منه ، وهذا كله تفسير بالمعنى ، وأما تفسير اللفظة فإن المعاني التي تكون في الإنسان وغيره من خير أو شر يلوح عليه وسم عن تلك المعاني ، كالسكون والدماثة واقتصاد الهيئة التي تكون عن الخير ونحو هذا ، فالمتوسم هو الذي ينظر في وسم المعنى فيستدل به على المعنى ، وكأن معصية هؤلاء أبقت من العذاب والإهلاك وسماً ، فمن رأى الوسم استدل على المعصية به واقتاده النظر إلى تجنب المعاصي لئلا ينزل به ما نزل بهم ، ومن الشعر في هذه اللفظة قول الشاعر : [ الطويل ]
توسمته لما رأيت مهابة . . . عليه وقلت المرء من آل هاشم{[1]}
فظللت فيها واقفاً أتوسم{[2]} . . . وقال آخر :
إني توسمت فيك الخير نافلة{[3]} . . .
جملة { إن في ذلك لأيات للمتوسمين } : تذييل . والآيات : الأدلّة ، أي دلائل على حقائق من الهداية وضدّها ، وعلى تعرُّض المكذبين رُسلهم لعقاب شديد .
والإشارة { في ذلك } إلى جميع ما تضمّنته القصة المبدوءة بقوله تعالى : { ونبئهم عن ضيف إبراهيم } [ سورة الحجر : 51 ] . ففيها من الآيات آية نزول الملائكة في بيت إبراهيم عليه السلام كرامة له ، وبشارته بغلام عليم ، وإعلام الله إيّاه بما سيحلّ بقوم لوط كرامة لإبراهيم عليهما السلام ، ونصر الله لوطاً بالملائكة ، وإنجاء لوط عليه السلام وآله ، وإهلاك قومه وامرأته لمناصرتها إيّاهم ، وآية عماية أهل الضلالة عن دلائل الإنابة ، وآية غضب الله على المسترسلين في عصيان الرّسل .
وتقدم الكلام على لفظ آية عند قوله تعالى : { والذين كفروا وكذبوا بآياتنا } في سورة البقرة ( 39 ) . وقوله : { وقالوا لولا نزل عليه آية من ربه } في سورة الأنعام ( 37 ) .
والمتوسّمون أصحاب التوسم وهو التأمّل في السّمة ، أي العلامة الدّالة على المعلّم ، والمراد للمتأملين في الأسباب وعواقبها وأولئك هم المؤمنون . وهو تعريض بالّذين لم تردَعْهم العبر بأنهم دون مرتبة النظر تعريضاً بالمشركين الذين لم يتّعظوا ؛ بأن يحلّ بهم ما حلّ بالأمم من قبلهم التي عرفوا أخبارها ورأوا آثارها .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.