تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمۡ تَعَالَوۡاْ إِلَىٰ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَإِلَى ٱلرَّسُولِ قَالُواْ حَسۡبُنَا مَا وَجَدۡنَا عَلَيۡهِ ءَابَآءَنَآۚ أَوَلَوۡ كَانَ ءَابَآؤُهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ شَيۡـٔٗا وَلَا يَهۡتَدُونَ} (104)

فإذا دعوا { إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ } أعرضوا فلم يقبلوا ، و { قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا } من الدين ، ولو كان غير سديد ، ولا دينًا ينجي من عذاب الله .

ولو كان في آبائهم كفاية ومعرفة ودراية لهان الأمر . ولكن آباءهم لا يعقلون شيئا ، أي : ليس عندهم من المعقول شيء ، ولا من العلم والهدى شيء . فتبا لمن قلد من لا علم عنده صحيح ، ولا عقل رجيح ، وترك اتباع ما أنزل الله ، واتباع رسله الذي يملأ القلوب علما وإيمانا ، وهدى ، وإيقانا .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمۡ تَعَالَوۡاْ إِلَىٰ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَإِلَى ٱلرَّسُولِ قَالُواْ حَسۡبُنَا مَا وَجَدۡنَا عَلَيۡهِ ءَابَآءَنَآۚ أَوَلَوۡ كَانَ ءَابَآؤُهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ شَيۡـٔٗا وَلَا يَهۡتَدُونَ} (104)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَىَ مَآ أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرّسُولِ قَالُواْ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَآ أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ } . .

يقول تعالىّ ذكره : وإذا قيل لهؤلاء الذين يبحرون البحائر ويسيبون السوائب الذين لا يعقلون أنهم بإضافتهم تحريم ذلك إلى الله تعالى يفترون على الله الكذب : تعالوا إلى تنزيل الله وآي كتابه وإلى رسوله ، ليتبين لكم كذب قيلكم فيم تضيفونه إلى الله تعالى من تحريمكم ما تحرّمون من هذه الأشياء ، أجابوا من دعاهم إلى ذلك ، بأن يقولوا : حسبنا ما وجدنا عليه من قبلنا آباءنا يعملون به ، ويقولون : نحن لهم تبع وهم لنا أئمة وقادة ، وقد اكتفينا بما أخذنا عنهم ورضينا بما كانوا عليه من تحريم وتحليل . قال الله تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : ولو كان آباء هؤلاء القائلين هذه المقالة لا يعلمون شيئا ، يقول : لم يكونوا يعلمون أن ما يضيفونه إلى الله تعالى من تحريم البحيرة والسائبة والوصيلة والحام كذب وفرية على الله ، لا حقيقة لذلك ولا صحة لأنهم كانوا أتباع المفترين ابتدأوا تحريم ذلك افتراء على الله بقيلهم ما كانوا يقولون من إضافتهم إلى الله تعالى ما يضيفون ما كانوا فيما هم به عاملون من ذلك على استقامة وصواب ، بل كانوا على ضلالة وخطأ .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمۡ تَعَالَوۡاْ إِلَىٰ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَإِلَى ٱلرَّسُولِ قَالُواْ حَسۡبُنَا مَا وَجَدۡنَا عَلَيۡهِ ءَابَآءَنَآۚ أَوَلَوۡ كَانَ ءَابَآؤُهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ شَيۡـٔٗا وَلَا يَهۡتَدُونَ} (104)

والضمير في قوله { قيل لهم } عائد على الكفار المستنين بهذه الأشياء و { تعالوا } نداء بين ، هذا أصله ، ثم استعمل حيث الِبر وحيث ضده ، و { إلى ما أنزل الله } يعني القرآن الذي فيه التحريم الصحيح و { حسبنا } معناه كفانا وقوله { أوَلوْ كان آباؤهم } ألف التوقيف دخلت على واو العطف كأنهم عطفوا بهذه الجملة على الأولى والتزموا شنيع القول فإنما التوقيف توبيخ لهم ، كأنهم يقولون بعده نعم ولو كانوا كذلك .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمۡ تَعَالَوۡاْ إِلَىٰ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَإِلَى ٱلرَّسُولِ قَالُواْ حَسۡبُنَا مَا وَجَدۡنَا عَلَيۡهِ ءَابَآءَنَآۚ أَوَلَوۡ كَانَ ءَابَآؤُهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ شَيۡـٔٗا وَلَا يَهۡتَدُونَ} (104)

الواو للحال . والجملة حال من قوله : { الذين كفروا } [ المائدة : 103 ] ، أي أنّهم ينسبون إلى الله ما لم يأمر به كذباً ، وإذا دعوا إلى اتّباع ما أمر الله به حقّاً أو التدبّر فيه أعرضوا وتمسّكوا بما كان عليه آباؤهم . فحالهم عجيبة في أنّهم يقبلون ادّعاء آبائهم أنّ الله أمرهم بما اختلقوا لهم من الضلالات ، مثل البحيرة والسائبة وما ضاهاهما ، ويعرضون على دعوة الرسول الصادق بلا حجّة لهم في الأولى ، وبالإعراض عن النظر في حجة الثانية أو المكابرة فيها بعد علمها .

والأمر في قوله { تعالَوْا } مستعمل في طلب الإقبال ، وفي إصغاء السمع ، ونظر الفكر ، وحضور مجلس الرسول صلى الله عليه وسلم وعدم الصدّ عنه ، فهو مستعمل في حقيقته ومجازه . وتقدّم الكلام على فعل ( تعالَ ) عند الكلام على نظير هذه الآية في سورة النساء .

و { ما أنزل الله } : هو القرآنُ . وعطف { والى الرسول } لأنّه يرشدهم إلى فهم القرآن . وأعيد حرف ( إلى ) لاختلاف معنيي الإقبال بالنسبة إلى متعلّقي { تعالوا } فإعادة الحرف قرينة على إرادة معنيي { تعالوا } الحقيقي والمجازي .

وقوله { قالوا حسبنا } أي كافينا ، إذا جُعلت ( حَسْب ) اسماً صريحاً و { ما وجدنا } هو الخبر ، أو كفانا إذا جُعلت ( حسب ) اسمَ فعل و { ما وجدنا } هو الفاعلَ . وقد تقدّم ذلك عند قوله تعالى { وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل } في سورة آل عمران ( 173 ) .

و ( على ) في قوله : { ما وجدنا عليه ءاباءنا } مجاز في تمكّن التلبّس ، وتقدّم في قوله تعالى : { أولئك على هدى من ربّهم } [ البقرة : 5 ] .

وقوله : { أو لو كان آباؤهم لا يعلمون } الخ ، تقدّم القول على نظيره في سورة البقرة ( 170 ) عند قوله : { وإذا قيل لهم اتّبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتّبع ما ألفينا عليه آباءنا أو لو كان آباؤكم } الآية .

وليس لهذه الآية تعلّق بمسألة الاجتهاد والتقليد كما توهّمه جمع من المفسّرين ، لأنّ هذه الآية في تنازع بين أهل ما أنزل الله وأهل الافتراء على الله ، فأمّا الاجتهاد والتقليد في فروع الإسلام فذلك كلّه من اتّباع ما أنزل الله . فتحميل الآية هذه المسألة إكراه للآية على هذا المعنى .