الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمۡ تَعَالَوۡاْ إِلَىٰ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَإِلَى ٱلرَّسُولِ قَالُواْ حَسۡبُنَا مَا وَجَدۡنَا عَلَيۡهِ ءَابَآءَنَآۚ أَوَلَوۡ كَانَ ءَابَآؤُهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ شَيۡـٔٗا وَلَا يَهۡتَدُونَ} (104)

قوله تعالى : { حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَآ } : " حسبنا " مبتدأ وقد تقدم أنه في الأصل مصدرٌ والمرادُ به اسم الفاعل أي : كافينا ، وتفسيرُ ابن عطية له ب " كفانا " تفسيرُ معنىً لا إعراب . و " ما وَجَدْنا " هو الخبر ، و " ما " ظاهرُها أنها موصولة اسمية ، ويجوز أن تكون نكرة موصوفة أي : كافينا الذي وجدنا ، و " وجد " يجوز أن يكون بمعنى المصادفة ، ف " عليه " يجوز فيه وجهان ، أحدهما : أنه متعلق ب " وجدنا " وأنه متعدٍ لواحد . والثاني : أنه حال من " آباءنا " أي وجدناهم مستقرين عليه ، ويجوز أن يكونَ بمعنى العلم فيتعدى لاثنين ثانيهما " عليه " .

وقوله : { أَوَلَوْ كَانَ } قد تقدم إعراب هذا في البقرة وما قالوا فيه : وأنَّ " لو " هنا معناها الشرط وأنَّ الواوَ للحال ، وتقدم تفسيرُ ذلك كله فأغنى عن إعادته ، إلا أنَّ ابنَ عطية قال هنا . " ألف التوقيف دخلت على واو العطف " قلت : " تسميةُ هذه الهمزةِ للتوقيف فيه غرابةٌ في الاصطلاح . وجَعَل الزمخشري هذه الواوَ للحال ، وابنُ عطية جعلها عاطفةً ، وتقدَّم الجمعُ بين كلامهما في البقرة فعليك بالالتفات إليه ، واختلاف الألفاظ في هاتين الآيتين - أعني أية البقرة وآية المائدة - من نحو قولِه هناك : " اتبعوا " وهنا " تعالَوْا " وهناك " أَلْفَيْنا " وهنا " وجدنا " من باب التفنّن في البلاغة ، فلا تُطْلَبُ له مناسبةٌ ، وإن كنتُ قد تكلَّفْتُ ذلك ونقلته عن الناس في كتاب " التفسير الكبير " .