نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمۡ تَعَالَوۡاْ إِلَىٰ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَإِلَى ٱلرَّسُولِ قَالُواْ حَسۡبُنَا مَا وَجَدۡنَا عَلَيۡهِ ءَابَآءَنَآۚ أَوَلَوۡ كَانَ ءَابَآؤُهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ شَيۡـٔٗا وَلَا يَهۡتَدُونَ} (104)

ثم{[27884]} لما حرموا هذه الأشياء اضطروا إلى تحليل الميتة فحرموا الطيب وأحلوا الخبيث . ولما اتخذوه ديناً واعتقدوه شرعاً ومضى عليه أسلافهم ، دعتهم الحظوظ والأنفة من نسبة آبائهم إلى الضلال والشهادة عليهم بالسفه إلى الإصرار عليه وعدم الرجوع عنه بعد انكشاف قباحته وبيان شناعته{[27885]} حتى أفنى أكثرهم السيف ووطأتهم{[27886]} الدواهي ، فوطأت أكتافهم وذللت{[27887]} أعناقهم وأكنافهم ، فقال تعالى دالاً على ختام الآية التي قبله{[27888]} من عدم عقلهم : { وإذا قيل لهم{[27889]} } أي من أيّ قائل كان ولو أنه ربهم ، بما ثبت من كلامهم{[27890]} بالعجز عنه أنه كلامه{[27891]} { تعالوا } أي ارفعوا أنفسكم عن هذا الحضيض السافل { إلى ما أنزل الله{[27892]} } أي الذي لا أعظم منه ، وقد ثبت أنه أنزله بعجزكم عنه { وإلى الرسول } أي الذي من شأنه لكونه سبحانه أرسله أن يبلغكم{[27893]} ما يحبه لكم ويرضاه { قالوا حسبنا } أي يكفينا { ما وجدنا عليه آباءنا } .

ولما كانوا عالمين بأنه ليس في{[27894]} آبائهم عالم ، وأنه من تأمل أدنى تأمل عرف أن الجاهل لا يهتدي إلى شيء ، قال منكراً عليهم موبخاً لهم{[27895]} : { أولو } أي{[27896]} يكفيهم ذلك{[27897]} إذا قالوا ذلك{[27898]} ولو { كان آباؤهم لا يعلمون شيئاً } أي من الأشياء حق علمه لكونهم لم يأخذوه عن الله بطريق من الطرق الواصلة{[27899]} إليه ، ولما كان من لا يعلم قد يشعر بجهله فيتعلم فيهتدي فيصير أهلاً للاقتداء به ، وقد لا يشعر لكونه جهله مركباً فلا يجوز الاقتداء به ، بين أنهم من أهل هذا القسم فقال : { ولا يهتدون * } أي لا يطلبون الهداية فلا توجد هدايتهم إلى صواب ، لأن من لا يعلم لا{[27900]} صواب له ، لأنه ليس للهدى آلة سوى العلم ، وأدل دليل على عدم هدايتهم أنهم ضيعوا الطيب من أموالهم فاضطرهم ذلك إلى أكل الخبيث من الميتة ، وأغضبوا بذلك خالقهم فدخلوا النار ، فلا أقبح مما يختاره لنفسه المطبوع على الكدر ، ولا أحسن مما يشرعه له رب البشر ، وهذه الآية ناظرة إلى قوله تعالى في سورة النساء{ إن يدعون من دونه إلا إناثاً وإن يدعون إلا شيطاناً مريداً }[ الآية : 117 ] إلى قوله :{ ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام{[27901]} }[ النساء : 119 ] فالتفت حينئذ إلى قوله : { رجس من عمل الشيطان } أيّ التفات .


[27884]:زيد من ظ.
[27885]:في ظ: بشاعته.
[27886]:في ظ: وطنهم.
[27887]:في ظ: ذلت.
[27888]:من ظ، وفي الأصل: قبل.
[27889]:سقط من ظ.
[27890]:من ظ، وفي الأصل: كلامه.
[27891]:في ظ: كلامهم- كذا.
[27892]:سقط من ظ.
[27893]:في ظ: يبلغه.
[27894]:من ظ، وفي الأصل: من.
[27895]:سقط من ظ.
[27896]:سقط من ظ.
[27897]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[27898]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[27899]:في ظ: الوصيلة.
[27900]:في ظ: إلا.
[27901]:آية 119.