اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمۡ تَعَالَوۡاْ إِلَىٰ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَإِلَى ٱلرَّسُولِ قَالُواْ حَسۡبُنَا مَا وَجَدۡنَا عَلَيۡهِ ءَابَآءَنَآۚ أَوَلَوۡ كَانَ ءَابَآؤُهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ شَيۡـٔٗا وَلَا يَهۡتَدُونَ} (104)

قوله { وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول } أي{[12736]} في تحليل الحَرْثِ والأنعامِ ، وبيان الشرائع والأحكام ، قالُوا : حَسْبُنَا ما وجدنَا عليه آباءَنَا أو لو كان آباؤهم لا يعقلون شيئاً ولا يهتدون وهذا رد على أصحاب التقليد .

قوله تعالى : { حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَآ } " حَسْبُنَا " مبتدأ ، وقد تقدَّم أنه في الأصلِ مصدرٌ ، والمرادُ به اسمُ الفاعل ، أي : كَافِينَا ، وتفسيرُ ابن عطية{[12737]} له ب " كَفَانَا " تفسيرُ معنًى ، لا إعراب ، و " مَا وَجَدْنَا " هو الخبر ، و " مَا " ظاهرُها أنها موصولة اسميةٌ ، ويجوز أن تكون نكرةً موصوفةً ، أي : كَافِينَا الذي وجدنا ، و " وَجَد " يجوز أن يكون بمعنى المُصَادفة ، ف " عَلَيْهِ " يجوز فيه وجهان :

أحدهما : أنه متعلق ب " وَجَدْنَا " وأنه متعدٍّ لواحد .

والثاني : أنه حال من " آباءَنَا " ، أي : وجدناهم مُسْتَقِرينَ عليه ، ويجوز أن يكون بمعنى العلْمِ ، فيتعدَّى لاثنين ثانيهما " عَلَيْهِ " .

وقوله : { أَوَلَوْ كَانَ } قد تقدَّم إعراب هذا في البقرة [ الآية 170 ] ، وأنَّ " لَوْ " هنا معناها الشرط ، وأنَّ الواوَ للحال ، وتقدَّم تفسيرُ ذلك كلِّه ؛ فأغنى عن إعادته ، إلاَّ أنَّ ابن عطيَّة قال هنا{[12738]} : " ألِفُ التوقيفَ دخلَتْ على واو العَطْف " قال شهاب الدين{[12739]} : تسميةُ هذه الهَمْزةِ للتوقيفِ فيه غرابةٌ في الاصطلاحِ ، وجعلَ الزمخشريُّ{[12740]} هذه الواو للحالِ ، وابنُ عطيَّة جعلها عاطفةً ، وتقدَّم الجمعُ بين كلامهما في البقرة ، واختلافُ الألفاظِ في هاتين الآيتينِ - أعْنِي آيةَ البقرةِ ، وآية المائِدَة - مِنْ نَحْو قوله هناك : " اتَّبِعُوا " وهنا " تَعَالَوْا " وهناك " ألْفَيْنَا " وهنا " وَجَدْنَا " من باب التفنُّن في البلاغة .

واعلم : أنَّ الاقْتِدَاء إنَّما يَجُوزُ بالعالِمِ المُهْتَدِي ، وهو الذي قولُهُ مَبْنِيٌّ على الحُجَّةِ والدَّليل ، فإن لمْ يكُنْ كذلِكَ لم يَكُنْ عالماً مهتدياً ، فلا يَجُوزُ الاقْتِدَاءُ به .


[12736]:سقط في أ.
[12737]:ينظر: المحرر الوجيز 2/249.
[12738]:ينظر: المصدر السابق.
[12739]:ينظر: الدر المصون 2/622.
[12740]:ينظر: الكشاف 1/685.