البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمۡ تَعَالَوۡاْ إِلَىٰ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَإِلَى ٱلرَّسُولِ قَالُواْ حَسۡبُنَا مَا وَجَدۡنَا عَلَيۡهِ ءَابَآءَنَآۚ أَوَلَوۡ كَانَ ءَابَآؤُهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ شَيۡـٔٗا وَلَا يَهۡتَدُونَ} (104)

{ وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعلمون شيئاً ولا يهتدون } .

تقدّم تفسير مثل هذه الآية في سورة البقرة وهنا { تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا } وهناك { اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا } وهنا { لا يعلمون شيئاً } وهناك { لا يعقلون شيئاً } والمعنى في هذا التغاير لا يكاد يختلف ومعنى { إلى ما أنزل الله } أي من القرآن الذي فيه التحريم الصحيح ومعنى { حسبنا } : كافينا وقول ابن عطية : معنى { حسبنا } كفانا ليس شرحاً بالمرادف إذ شرح الاسم بالفعل ، وقال ابن عطية في { أولو } : ألف التوقيف دخلت على واو العطف كأنهم عطفوا هذه الجملة على الأولى والتزموا شنيع القول وإنما التوقيف توبيخ لهم كأنهم يقولون بعده : نعم ، ولو كان كذلك انتهى .

وقوله في الهمزة ألف التوقيف عبارة لم أقف عليها من كلام النحاة يقولون همزة الإنكار همزة التوبيخ وأصلها همزة الاستفهام ، وقوله : كأنهم عطفوا هذه الجملة على الأولى يعني فكان التقدير قالوا : فاعتنى بالهمزة فقدّمت لقوله :

{ ولم يسيروا في الأرض } وليس كما ذكر من أنهم عطفوا هذه الجملة على الأولى على ما نبينه إن شاء الله تعالى ، وقال الزمخشري والواو في قوله : { أولو كان آباؤهم } واو الحال وقد دخلت عليها همزة الإنكار والتقدير أحسبهم ذلك ولو كان آباؤهم { لا يعلمون شيئاً ولا يهتدون } ، والمعنى أن الاقتداء إنما يصح بالعالم المهتدي وإنما يعرف اهتداؤه بالحجة . انتهى .

وجعل الزمخشري الواو ، في { أَولو } ، واو الحال وهو مغاير لقول ابن عطية أنها واو العطف لا من الجهة التي ذكرها ابن عطية واو الحال لكن يحتاج ذلك إلى تبيين ، وذلك أنه قد تقدم من كلامنا أن لو التي تجيء هذا المجيء هي شرطية وتأتي لاستقصاء ما قبلها والتنبيه على حاله داخلة فيما قبلها وإن كان مما ينبغي أن لا تدخل ، فقوله : « أعطوا السائل ولو جاء على فرس وردّوا السائل ولو بظلف محرق واتقوا النار ولو بشق تمرة » .

وقول الشاعر :

قوم إذا حاربو شدّوا مآزرهم *** دون النساء ولو باتت بإطهار

فالمعنى أعطوا السائل على كل حال ولو على الحالة التي تشعر بالغنى وهي مجيئه على فرس ، وكذلك يقدر ما ذكرنا من المثل على ما يناسب فالواو عاطفة على حال مقدرة فمن حيث هذا العطف صح أن يقال إنها واو الحال وقد تقدم الكلام على ذلك بأشبع من هذا فالتقدير في الآية أحسبهم أتباع ما وجدوا عليه آباءهم على كل حال ولو في الحالة التي تنفي عن آبائهم العلم والهداية فإنها حالة ينبغي أن لا يتبع فيها الآباء لأن ذلك حال من غلب عليه المفرط .