تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَإِنَّا لَجَٰعِلُونَ مَا عَلَيۡهَا صَعِيدٗا جُرُزًا} (8)

وستعود الأرض صعيدا جرزا قد ذهبت لذاتها ، وانقطعت أنهارها ، واندرست أثارها ، وزال نعيمها ، هذه حقيقة الدنيا ، قد جلاها الله لنا كأنها رأي عين ، وحذرنا من الاغترار بها ، ورغبنا في دار يدوم نعيمها ، ويسعد مقيمها ، كل ذلك رحمة بنا ، فاغتر بزخرف الدنيا وزينتها ، من نظر إلى ظاهر الدنيا ، دون باطنها ، فصحبوا الدنيا صحبة البهائم ، وتمتعوا بها تمتع السوائم ، لا ينظرون في حق ربهم ، ولا يهتمون لمعرفته ، بل همهم تناول الشهوات ، من أي وجه حصلت ، وعلى أي حالة اتفقت ، فهؤلاء إذا حضر أحدهم الموت ، قلق لخراب ذاته ، وفوات لذاته ، لا لما قدمت يداه من التفريط والسيئات .

وأما من نظر إلى باطن الدنيا ، وعلم المقصود منها ومنه ، فإنه يتناول منها ، ما يستعين به على ما خلق له ، وانتهز الفرصة في عمره الشريف ، فجعل الدنيا منزل عبور ، لا محل حبور ، وشقة سفر ، لا منزل إقامة ، فبذل جهده في معرفة ربه ، وتنفيذ أوامره ، وإحسان العمل ، فهذا بأحسن المنازل عند الله ، وهو حقيق منه بكل كرامة ونعيم ، وسرور وتكريم ، فنظر إلى باطن الدنيا ، حين نظر المغتر إلى ظاهرها ، وعمل لآخرته ، حين عمل البطال لدنياه ، فشتان ما بين الفريقين ، وما أبعد الفرق بين الطائفتين "

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَإِنَّا لَجَٰعِلُونَ مَا عَلَيۡهَا صَعِيدٗا جُرُزًا} (8)

وقوله : وَإنّا لَجاعلُونَ ما عَلَيْها صَعِيدا جُرزا يقول عزّ ذكره : وإنما لمخرّبوها بعد عمارتناها بما جعلنا عليها من الزينة ، فمصيروها صعيدا جرزا لا نبات عليها ولا زرع ولا غرس . وقد قيل : إنه أريد بالصعيد في هذا الموضع : المستوي بوجه الأرض ، وذلك هو شبيه بمعنى قولنا في ذلك . وبنحو الذي قلنا في ذلك ، وبمعنى الجرز ، قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : وإنّا لَجَاعِلُونَ ما عَلَيْها صَعِيدا جُرُزا يقول : يهلك كلّ شيء عليها ويبيد .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحرث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد صَعِيدا جُرُزا قال : بلقعا .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وَإنّا لَجاعلُونَ ما عَلَيْها صَعيدا جُرُزا والصعيد : الأرض التي ليس فيها شجر ولا نبات .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سَلَمة ، عن ابن إسحاق وَإنّا لَجَاعِلُونَ ما عَلَيْها صَعِيدا جُرُزا يعني : الأرض إن ما عليها لفانٍ وبائد ، وإن المرجع لإليّ ، فلا تأس ، ولا يحزنك ما تسمع وترى فيها .

حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : صَعِيدا جُزُرا قال : الجزر : الأرض التي ليس فيها شيء ، ألا ترى أنه يقول : أوَ لَمْ يَرَوْا أنّا نَسُوقُ الماءَ إلى الأرْضِ الجُرُزِ فنُخْرِجُ بِهِ زَرْعا قال : والجرز : لا شيء فيها ، لا نبات ولا منفعة . والصعيد : المستوي . وقرأ : لاَ تَرَى فِيها عِوَجا وَلا أمْتا قال : مستوية : يقال : جُرِزت الأرض فهي مجروزة ، وجرزها الجراد والنعم ، وأرَضُون أَجْراز : إذا كانت لا شيء فيها . ويقال للسنة المجدبة : جُرُز وسنون أجراز لجدوبها ويبسها وقلّة أمطارها قال الراجز :

*** قَدْ جَرَفَتْهُنّ السّنُونُ الأجْرَازْ ***

يقال : أجرز القوم : إذا صارت أرضهم جُرُزا ، وجَرَزوا هم أرضهم : إذا أكلوا نباتها كله .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَإِنَّا لَجَٰعِلُونَ مَا عَلَيۡهَا صَعِيدٗا جُرُزًا} (8)

وقوله { وإنا لجاعلون ما عليها صعيداً جرزاً } ، أي يرجع كل ذلك تراباً غير متزين بنبات ونحو ، و «الجرز » الأرض التي لا شيء فيها من عمارة وزينة ، فهي البلقع ، وهذه حالة الأرض العامرة الخالية بالدين لا بد لها من هذا في الدنيا جزءاً جزءاً من الأرض ثم يعمها ذلك بأجمعها عند القيامة ، يقال : جرزت الأرض بقحط أو جراد أو نحوه إذا ذهب نباتها وبقيت لا شيء فيها ولا نفع ، وأرضون أجراز ، قال الزجاج : والجرز الأرض التي لا تنبت .

قال القاضي أبو محمد : وإنما ينبغي أن يقول : التي لم تنبت ، و «الصعيد » وجه الأرض وقيل «الصعيد » التراب خاصة ، وقيل «الصعيد » الأرض الطيبة وقيل ، «الصعيد » الأرض المرتفعة من الأرض المنخفضة .