تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{دَرَجَٰتٖ مِّنۡهُ وَمَغۡفِرَةٗ وَرَحۡمَةٗۚ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورٗا رَّحِيمًا} (96)

ولما وعد المجاهدين بالمغفرة والرحمة الصادرَيْن عن اسميه الكريمين { الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } ختم هذا الآية بهما فقال : { وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا }

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{دَرَجَٰتٖ مِّنۡهُ وَمَغۡفِرَةٗ وَرَحۡمَةٗۚ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورٗا رَّحِيمًا} (96)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ دَرَجَاتٍ مّنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللّهُ غَفُوراً رّحِيماً } . .

يعني بقوله جلّ ثناؤه : { دَرَجاتٍ مِنْهُ } : فضائل منه ومنازل من منازل الكرامة .

واختلف أهل التأويل في معنى الدرجات التي قال جلّ ثناؤه { دَرَجاتٍ مِنْهُ } . فقال بعضهم بما :

حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : { دَرَجاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَحَمَةً } كان يقال : الإسلام درجة ، والهجرة في الإسلام درجة ، والجهاد في الهجرة درجة ، والقتل في الجهاد درجة .

وقال آخرون بما :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : سألت ابن زيد عن قول الله تعالى : { وَفَضّلَ اللّه المُجاهِدِينَ على القاعِدِينَ أجْرا عَظِيما دَرَجاتٍ مِنْه } الدرجات : هي السبع التي ذكرها في سورة براءة : { ما كانَ لأهلِ المدينةِ ومَنْ حَوْلهمْ مِنَ الأعراب أنْ يتَخلّفُوا عنْ رسُولِ اللّهِ ولا يَرْغبُوا بأنفُسهِمْ عنْ نَفسِهِ ذلك بَأَنهمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمأٌ ولا نَصبٌ } فقرأ حتى بلغ : { أحْسَنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ } . قال هذه السبع الدرجات . قال : وكان أوّل شيء ، فكانت درجة الجهاد مجملة ، فكان الذي جاهد بماله له اسم في هذه ، فلما جاءت هذه الدرجات بالتفضيل أخرج منها ، فلم يكن له منها إلا النفقة . فقرأ : { لا يُصيبُهُمْ ظَمأٌ وَلا نَصَبٌ } وقال : ليس هذا لصاحب النفقة . ثم قرأ : { ولاَ يُنفِقُونَ نفقةً } قال : وهذه نفقة القاعد .

وقال آخرون : عُني بذلك درجات الجنة . ذكر من قال ذلك :

حدثنا عليّ بن الحسن الأزدي ، قال : حدثنا الأشجعي ، عن سفيان ، عن هشام بن حسان ، عن جبلة بن سُحيم ، عن ابن محيريز في قوله : { فَضّلَ اللّه المُجاهِدينَ على القاعِدينَ } . . . إلى قوله : { دَرَجاتٍ } قال : الدرجات : سبعون درجة ، ما بين الدرجتين حُضْرُ الفرس الجواد المضمّر سبعين سنة .

وأولى التأويلات بتأويل قوله¹ { دَرَجاتٍ مِنْه } أن يكون معنيّا به درجات الجنة ، كما قال ابن محيريز¹ لأن قوله تعالى ذكره : { دَرَجاتٍ مِنْهُ } ترجمة وبيان عن قوله : { أجْرا عَظِيما } ، ومعلوم أن الأجر إنما هو الثواب والجزاء ، وإذا كان ذلك كذلك ، وكانت الدرجات والمغفرة والرحمة ترجمة عنه ، كان معلوما أن لا وجه لقول من وجه معنى قوله : { دَرَجاتٍ مِنْه } إلى الأعمال وزيادتها على أعمال القاعدين عن الجهاد كما قال قتادة وابن زيد . وإذا كان ذلك كذلك ، وكان الصحيح من تأويل ذلك ما ذكرنا ، فبيّن أن معنى الكلام : وفضل الله المجاهدين في سبيل الله على القاعدين من غير أولي الضرر أجرا عظيما وثوابا جزيلاً ، وهو درجات أعطاهموها في الاَخرة من درجات الجنة ، رفعهم بها على القاعدين بما أبلوا في ذات الله . { وَمغفرةً } يقول : وصفح لهم عن ذنوبهم ، فتفضل عليهم بترك عقوبتهم عليها . { ورحمةً } يقول : ورأفة بهم . { وكانع اللّهُ غَفُورا رَحِيما } يقول : ولم يزل الله غفورا لذنوب عباده المؤمنين ، فيصفح لهم عن العقوبة عليها { رَحِيما } بهم ، يتفضل عليهم بنعمه ، مع خلافهم أمره ونهيه وركوبهم معاصيه .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{دَرَجَٰتٖ مِّنۡهُ وَمَغۡفِرَةٗ وَرَحۡمَةٗۚ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورٗا رَّحِيمًا} (96)

وقال ابن محيريز : «الدرجات » هي درجات في الجنة ، سبعون ، ما بين الدرجتين حضر{[4223]} الفرس الجواد المضمر سبعين سنة ، وقال بهذا القول الطبري ورجحه ، وقال ابن زيد : «الدرجات » في الآية هي السبع المذكورات في سورة براءة ، فهي قوله تعالى : { ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب ولا مخمصة في سبيل الله }{[4224]} الآيات فذكر فيها الموطىء الغائظ للكفار ، والنيل من العدو ، والنفقة الصغيرة والكبيرة ، وقطع الأودية والمسافات .

قال القاضي أبو محمد رحمه الله : ودرجات الجهاد لو حصرت أكثر من هذه ، لكن يجمعها بذل النفس والاعتمال بالبدن والمال في أن تكون كلمة الله هي العليا ، ولا شك أن بحسب مراتب الأعمال ودرجاتها تكون مراتب الجنة ودرجاتها ، فالأقوال كلها متقاربة ، وباقي الآية وعد كريم وتأنيس . ونصب { درجات } إما على البدل من الأجر ، وإما على إضمار فعل على أن تكون تأكيداً للأجر ، كما تقول : لك عليَّ ألف درهم عرفاً ، كأنك قلت أعرفها عرفاً .


[4223]:- يقال: أحضر الفرس أو الرجل: وثب في عدوه، فهو وهي: محضار أو محضير، والجمع محاضير، فالمراد هنا: عدو الفرس، أو وثبه عند العدو بسرعة.
[4224]:- من الآية (120) من سورة (براءة)، والسبع التي يشير إليها ابن زيد مذكورات في الآيتين (120-121).