{ إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * أُولَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ }
هؤلاء الذين أخبر الله عنهم في هذه الآية ، أشد الناس جرما وأي جرم أعظم من الكفر بآيات الله التي تدل دلالة قاطعة على الحق الذي من كفر بها فهو في غاية الكفر والعناد ويقتلون أنبياء الله الذين حقهم أوجب الحقوق على العباد بعد حق الله ، الذين أوجب الله طاعتهم والإيمان بهم ، وتعزيرهم ، وتوقيرهم ، ونصرهم وهؤلاء قابلوهم بضد ذلك ، ويقتلون أيضا الذين يأمرون الناس بالقسط الذي هو العدل ، وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي حقيقته إحسان إلى المأمور ونصح له ، فقابلوهم شر مقابلة ، فاستحقوا بهذه الجنايات المنكرات أشد العقوبات ، وهو العذاب المؤلم البالغ في الشدة إلى غاية لا يمكن وصفها ، ولا يقدر قدرها المؤلم للأبدان والقلوب والأرواح .
{ إِنّ الّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ النّبِيّينَ بِغَيْرِ حَقّ وَيَقْتُلُونَ الّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النّاسِ فَبَشّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * أُولََئِكَ الّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدّنْيَا وَالاَخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مّن نّاصِرِينَ }
يعني بذلك جلّ ثناؤه : { إنّ الّذِينَ يَكْفُرُونَ بآياتِ اللّهِ } أي يجحدون حجج الله وأعلامه فيكذّبون بها من أهل الكتابين التوراة والإنجيل . كما :
حدثني ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن محمد بن جعفر بن الزبير ، قال : ثم جمع أهل الكتابين جميعا ، وذكر ما أحدثوا وابتدعوا من اليهود والنصارى ، فقال : { إنّ الّذِينَ يَكْفُرُونَ بآياتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ النّبِيّينَ بِغَيْرِ حَقّ } إلى قوله : { قُلِ اللّهُمّ مالِكَ المُلْكِ تُؤْتِي المُلْكَ مَنْ تَشاءُ } .
وأما قوله : { وَيَقْتُلُوُنَ النّبِيّينَ بِغَيْرِ حَقّ } فإنه يعني بذلك أنهم كانوا يقتلون رسل الله الذين كانوا يرسلون إليهم بالنهي عما يأتون من معاصي الله ، وركوب ما كانوا يركبونه من الأمور التي قد تقدم الله إليهم في كتبهم بالزجر عنها ، نحو زكريا وابنه يحيى وما أشبههما من أنبياء الله .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَيَقْتُلُونَ الّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النّاسِ } .
اختلفت القرّاء في قراءة ذلك ، فقرأه عامة أهل المدينة والحجاز والبصرة والكوفة وسائر قرّاء الأمصار : { وَيَقْتُلُونَ الّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ } بمعنى القتل . وقرأه بعض المتأخرين من قرّاء الكوفة : «ويقاتلون » ، بمعنى القتال تأوّلاً منه قراءة عبد الله بن مسعود ، وادّعى أن ذلك في مصحف عبد الله : «وقاتلوا » ، فقرأ الذي وصفنا أمره من القراء بذلك التأويل «ويقاتلون » .
والصواب من القراءة في ذلك عندنا ، قراءة من قرأه : { وَيَقْتُلُونَ } لإجماع الحجة من القراء عليه به ، مع مجيء التأويل من أهل التأويل بأن ذلك تأويله . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن معقل بن أبي مسكين في قوله الله صلى الله عليه وسلم : { وَيَقْتُلُونَ الّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النّاسِ } قال : كان الوحي يأتي إلى بني إسرائيل فيذكّرون ، ولم يكن يأتيهم كتاب ، فيُقتَلون ، فيقوم رجال ممن اتبعهم وصدّقهم ، فيذكّرون قومهم فيقتلون ، فهم الذين يأمرون بالقسط من الناس .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن قتادة في قوله : { وَيَقْتُلُونَ النّبِيّينَ بِغَيْرِ حَقّ وَيَقْتُلُونَ الّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النّاسِ } قال : هؤلاء أهل الكتاب ، كان أتباع الأنبياء ينهونهم ويذكرونهم فيقتلونهم .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، قال : قال ابن جريج في قوله : { إنّ الّذِينَ يَكْفُرُونَ بآياتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ النّبِيّينَ بِغَيْرِ حَقّ وَيَقْتُلُونَ الّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النّاسِ } قال : كان ناس من بني إسرائيل ممن لم يقرأ الكتاب كان الوحي يأتي إليهم ، فيذكّرون قومهم فيقتلون على ذلك ، فهم الذين يأمرون بالقسط من الناس .
حدثني أبو عبيد الرصافي محمد بن جعفر ، قال : حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا أبو الحسن مولى بني أسد ، عن مكحول ، عن قبيصة بن ذؤيب الخزاعي ، عن أبي عبيدة بن الجرّاح ، قال : قلت يا رسول الله ، أيّ الناس أشدّ عذابا يوم القيامة ؟ قال : «رَجُلٌ قَتَلَ نَبِيّا ، أوْ رَجُلٌ أمَرَ بالمُنْكَرِ وَنَهَى عَنِ المَعْرُوفِ » . ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : «الّذِينَ يَقْتُلُونَ النّبِيّينَ بِغَيْرِ حَقّ وَيَقْتُلُونَ الّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النّاسِ » إلى أن انتهى إلى : { وَما لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ } . ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «يا أبا عُبَيْدَةَ قَتَلَتْ بَنُو إسْرَائِيلَ ثَلاَثَةً وَأرْبَعِينَ نَبِيّا مِنْ أَوّلِ النّهارِ فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةً ، فَقَامَ مِائَةُ رَجُلٍ وَاثْنَا عَشَرَ رَجُلاً مِنْ عُبّادِ بَنِي إسْرَائِيلَ ، فأمَرُوا مَنْ قَتَلَهُمْ بِالمَعْرُوفِ وَنَهَوْهُمْ عَنِ المُنْكَرِ فَقُتِلُوا جَمِيعا مِنْ آخِرِ النّهَارِ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ ، وَهُمُ الّذِينَ ذَكَرَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ » .
فتأويل الاَية إذا : إن الذين يكفرون بآيات الله ، ويقتلون النبيين بغير حقّ ، ويقتلون آمريهم بالعدل في أمر الله ونهيه ، الذين ينهونهم عن قتل أنبياء الله وركوب معاصيه .
القول في تأويل قوله تعالى : { فَبَشّرْهُمْ بِعَذَابٍ ألِيمٍ أُولَئِكَ الّذِينَ حَبِطَتْ أعْمَالُهُمْ فِي الدّنْيا وَالاَخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ } .
يعني بقوله جلّ ثناؤه : { فَبَشّرْهُمْ بِعَذَابٍ ألِيمٍ } فأخبرهم يا محمد ، وأعلمهم أن لهم عند الله عذابا مؤلما لهم ، وهو الموجع .
{ إن الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس فبشرهم بعذاب أليم } هم أهل الكتاب الذين في عصره عليه السلام . قتل أولهم الأنبياء ومتابعيهم وهم رضوا به وقصدوا قتل النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين ولكن الله عصمهم ، وقد سبق مثله في سورة البقرة . وقرأ حمزة " ويقاتلون الذين " . وقد منع سيبويه إدخال الفاء في خبر إن كليت ولعل ولذلك قيل الخبر .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.