تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{ٱللَّهُ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلَّيۡلَ لِتَسۡكُنُواْ فِيهِ وَٱلنَّهَارَ مُبۡصِرًاۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَذُو فَضۡلٍ عَلَى ٱلنَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَشۡكُرُونَ} (61)

{ 61 - 65 } { اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ * ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ * كَذَلِكَ يُؤْفَكُ الَّذِينَ كَانُوا بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ * اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ * هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ }

تدبر هذه الآيات الكريمات ، الدالة على سعة رحمة الله تعالى وجزيل فضله ، ووجوب شكره ، وكمال قدرته ، وعظيم سلطانه ، وسعة ملكه ، وعموم خلقه لجميع الأشياء ، وكمال حياته ، واتصافه بالحمد على كل ما اتصف به من الصفات الكاملة ، وما فعله من الأفعال الحسنة ، وتمام ربوبيته ، وانفراده فيها ، وأن جميع التدبير في العالم العلوي والسفلي في ماضي الأوقات وحاضرها ، ومستقبلها بيد الله تعالى ، ليس لأحد من الأمر شىء ، ولا من القدرة شيء ، فينتج من ذلك ، أنه تعالى المألوه المعبود وحده ، الذي لا يستحق أحد من العبودية شيئًا ، كما لم يستحق من الربوبية شيئًا ، وينتج من ذلك ، امتلاء القلوب بمعرفة الله تعالى ومحبته وخوفه ورجائه ، وهذان الأمران -وهما معرفته وعبادته- هما اللذان خلق الله الخلق لأجلهما ، وهما الغاية المقصودة منه تعالى لعباده ، وهما الموصلان إلى كل خير وفلاح وصلاح ، وسعادة دنيوية وأخروية ، وهما اللذان هما أشرف عطايا الكريم لعباده ، وهما أشرف اللذات على الإطلاق ، وهما اللذان إن فاتا ، فات كل خير ، وحضر كل شر .

فنسأله تعالى أن يملأ قلوبنا بمعرفته ومحبته ، وأن يجعل حركاتنا الباطنة والظاهرة ، خالصة لوجهه ، تابعة لأمره ، إنه لا يتعاظمه سؤال ، ولا يحفيه نوال .

فقوله تعالى : { اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ } أي : لأجلكم جعل الله الليل مظلمًا ، { لِتَسْكُنُوا فِيهِ } من حركاتكم ، التي لو استمرت لضرت ، فتأوون إلى فرشكم ، ويلقي الله عليكم النوم الذي يستريح به القلب والبدن ، وهو من ضروريات الآدمي لا يعيش بدونه ، ويسكن أيضًا ، كل حبيب إلى حبيبه ، ويجتمع الفكر ، وتقل الشواغل .

{ و } جعل تعالى { النَّهَارَ مُبْصِرًا } منيرًا بالشمس المستمرة في الفلك ، فتقومون من فرشكم إلى أشغالكم الدينية والدنيوية ، هذا لذكره وقراءته ، وهذا لصلاته ، وهذا لطلبه العلم ودراسته ، وهذا لبيعه وشرائه ، وهذا لبنائه أو حدادته ، أو نحوها من الصناعات ، وهذا لسفره برًا وبحرًا ، وهذا لفلاحته ، وهذا لتصليح حيواناته .

{ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ } أي : عظيم ، كما يدل عليه التنكير { عَلَى النَّاسِ } حيث أنعم عليهم بهذه النعم وغيرها ، وصرف عنهم النقم ، وهذا يوجب عليهم ، تمام شكره وذكره ، { وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ } بسبب جهلهم وظلمهم . { وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ } الذين يقرون بنعمة ربهم ، ويخضعون للّه ، ويحبونه ، ويصرفونها في طاعة مولاهم ورضاه .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{ٱللَّهُ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلَّيۡلَ لِتَسۡكُنُواْ فِيهِ وَٱلنَّهَارَ مُبۡصِرًاۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَذُو فَضۡلٍ عَلَى ٱلنَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَشۡكُرُونَ} (61)

القول في تأويل قوله تعالى : { اللّهُ الّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللّيْلَ لِتَسْكُنُواْ فِيهِ وَالنّهَارَ مُبْصِراً إِنّ اللّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النّاسِ وَلََكِنّ أَكْثَرَ النّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ } .

يقول تعالى ذكره : الله الذي لا تصلح الألوهة إلا له ، ولا تنبغي العبادة لغيره ، الذي صفته أنه جعل لكم أيها الناس الليل سكنا لتسكنوا فيه ، فتهدؤوا من التصرفّ والاضطراب للمعاش ، والأسباب التي كنتم تتصرفون فيها في نهاركم والنّهارَ مُبْصِرا يقول : وجعل النهار مبصرا من اضطرب فيه لمعاشه ، وطلب حاجاته ، نعمة منه بذلك عليكم إنّ اللّهَ لَذُو فَضْلِ على النّاسِ يقول : إن الله لمتفضل عليكم أيها الناس بما لا كفء له من الفضل وَلَكِنّ أكْثَرَ النّاسِ لا يَشْكُرُونَ يقول : ولكن أكثرهم لا يشكرونه بالطاعة له ، وإخلاص الألوهة والعبادة له ، ولا يد تقدمت له عنده استوجب بها منه الشكر عليها .