تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{هُوَ ٱلَّذِي بَعَثَ فِي ٱلۡأُمِّيِّـۧنَ رَسُولٗا مِّنۡهُمۡ يَتۡلُواْ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتِهِۦ وَيُزَكِّيهِمۡ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبۡلُ لَفِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٖ} (2)

{ 2-4 } { هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ }

المراد بالأميين : الذين لا كتاب عندهم ، ولا أثر رسالة من العرب وغيرهم ، ممن ليسوا من أهل الكتاب ، فامتن الله تعالى عليهم ، منة عظيمة ، أعظم من منته على غيرهم ، لأنهم عادمون للعلم والخير ، وكانوا في ضلال مبين ، يتعبدون للأشجار والأصنام والأحجار ، ويتخلقون بأخلاق السباع الضارية ، يأكل قويهم ضعيفهم ، وقد كانوا في غاية الجهل بعلوم الأنبياء ، فبعث الله فيهم رسولاً منهم ، يعرفون نسبه ، وأوصافه الجميلة وصدقه ، وأنزل عليه كتابه { يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ } القاطعة الموجبة للإيمان واليقين ، { وَيُزَكِّيهِمْ } بأن يحثهم على الأخلاق الفاضلة ، ويفصلها لهم ، ويزجرهم عن الأخلاق الرذيلة ، { وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ } أي : علم القرآن{[1092]}  وعلم السنة ، المشتمل ذلك علوم الأولين والآخرين ، فكانوا بعد هذا التعليم والتزكية منه أعلم الخلق ، بل كانوا أئمة أهل العلم والدين ، وأكمل الخلق أخلاقًا ، وأحسنهم هديًا وسمتًا ، اهتدوا بأنفسهم ، وهدوا غيرهم ، فصاروا أئمة المهتدين ، وهداة المؤمنين{[1093]} ، فلله عليهم ببعثه هذا الرسول صلى الله عليه وسلم ، أكمل نعمة ، وأجل منحة .


[1092]:- في ب: علم الكتاب.
[1093]:- في ب: وقادة المتقين.
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{هُوَ ٱلَّذِي بَعَثَ فِي ٱلۡأُمِّيِّـۧنَ رَسُولٗا مِّنۡهُمۡ يَتۡلُواْ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتِهِۦ وَيُزَكِّيهِمۡ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبۡلُ لَفِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٖ} (2)

القول في تأويل قوله تعالى : { هُوَ الّذِي بَعَثَ فِي الاُمّيّينَ رَسُولاً مّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكّيهِمْ وَيُعَلّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلاَلٍ مّبِينٍ } .

يقول تعالى ذكره : الله الذي بعث في الأميين رسولاً منهم ، فقوله هو كناية من اسم الله ، والأميون : هم العرب . وقد بيّنا فيما مضى المعنى الذي من أجله قيل للأميّ أميّ . وبنحو الذي قلنا في الأميين في هذا الموضع قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا سفيان ، عن ليث ، عن مجاهد ، قال : هُوَ الّذِي بَعَثَ فِي الأُمّيّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ قال : العرب .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : سمعت سفيان الثوريّ يحدّث لا أعلمه إلا عن مجاهد أنه قال : هُوَ الّذِي بَعَثَ فِي الأُمّيّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آياتِهِ : العرب .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة هُوَ الّذِي بَعَثَ فِي الأُمّيّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ قال كان هذا الحيّ من العرب أمة أمّيّة ، ليس فيها كتاب يقرؤونه ، فبعث الله نبيه محمد صلى الله عليه وسلم رحمة وهُدى يهديهم به .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة هُوَ الّذِي بَعَثَ فِي الأُمّيّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ قال : كانت هذه الأمة امّيّة لا يقرؤون كتابا .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : هُوَ الّذِي بَعَثَ فِي الأُمّيّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ قال : إنما سميت أمة محمد صلى الله عليه وسلم الأميين ، لأنه لم ينزّل عليهم كتابا .

وقال جلّ ثناؤه رَسُولاً مِنْهُمْ يعني من الأميين وإنما قال منهم ، لأن محمدا صلى الله عليه وسلم كان أمّيّا ، وظهر من العرب .

وقوله : يَتْلُو عَلَيْهِمْ آياتِهِ يقول جلّ ثناؤه : يقرأ على هؤلاء الأميين آيات الله التي أنزلها عليه وَيُزَكّيهِمْ يقول : ويطهرهم من دنس الكفر .

وقوله : وَيُعَلّمُهُمُ الكِتابَ يقول : ويعلمهم كتاب الله ، وما فيه من أمر الله ونهيه ، وشرائع دينه وَالْحكْمَةَ يعني بالحكمة : السنن . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة وَيُعَلّمُهُمُ الكِتابَ وَالْحِكْمَةَ أي السنة .

حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، قال : وَيُزَكّيهِمْ وَيُعَلّمُهُمُ الكِتابَ وَالْحِكْمَةَ أيضا كما علم هؤلاء يزكيهم بالكتاب والأعمال الصالحة ، ويعلمهم الكتاب والحكمة كما صنع بالأوّلين ، وقرأ قول الله عزّ وجلّ : والسّابقُونَ الأوّلُونَ مِنَ المُهاجِرِينَ والأنْصَارِ وَالّذِينَ اتّبَعُوهُمْ بإحْسانٍ ممن بقي من أهل الإسلام إلى أن تقوم الساعة ، قال : وقد جعل الله فيهم سابقين ، وقرأ قول الله عزّ وجلّ : والسّابِقُونَ أُولَئِكَ المُقَرّبُونَ ، وقال : ثُلّةٌ مِنَ الأوّلِين وَقَلِيلٌ مِنَ الاَخِرينَ فثلة من الأوّلين سابقون ، وقليل السابقون من الاَخرين ، وقرأ : وأصحَابُ اليَمِينِ ما أصحَابُ اليَمِينِ . . . حتى بلغ ثُلّةٌ مِنَ الأوّلِينَ ، وَثُلّةٌ مِنَ الاَخرِينَ أيضا ، قال : والسابقون من الأوّلين أكثروهم من الاَخرين قليل ، وقرأ وَالّذِينَ جاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبّنا اغْفِرْ لَنا ولإخْوَانِنا الّذِينَ سَبَقُونا بالإيمَانِ . . . الاَية ، قال : هؤلاء من أهل الإسلام إلى أن تقوم الساعة .

وقوله : وَإنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ يقول تعالى ذكره : وقد كان هؤلاء الأميون من قبل أن يبعث الله فيهم رسولاً منهم في جَوْر عن قصد السبيل ، وأخذ على غير هدى مُبِين يقول : يبين لمن تأمله أنه ضلال وجَوْر عن الحقّ وطريق الرشد .