فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{هُوَ ٱلَّذِي بَعَثَ فِي ٱلۡأُمِّيِّـۧنَ رَسُولٗا مِّنۡهُمۡ يَتۡلُواْ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتِهِۦ وَيُزَكِّيهِمۡ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبۡلُ لَفِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٖ} (2)

{ هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين ( 2 ) }

ربنا الحكيم ذو الفضل العظيم هو الذي منّ على الأمة العربية الأمية- التي لم تكن تكتب ولا تحسب- فأرسل رسولا منهم يقرأ عليهم ويتابع قراءة كلمات الله الهادية المباركة ، ويطهرهم فيمسكهم بالحق والخير والرشد ، وينأى بهم عن الجهالة والغي ، ويعلمهم الفرقان الآخذ بالعقول والقوى إلى سبل الاستقامة والسلام ، ويعلمهم ما آتاه ربه ومن فقه وسداد ؛ ولم يكونوا قبل بعثته عليه الصلاة والسلام إلا حيارى فيما يعتقدون ، وما به يتعاملون ؛ أخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب ) ؛ وأريد بذلك أنهم على أصل ولادة أمهم لم يتعلموا الكتابة والحساب- وتخصيص الأميين بالذكر لا ينفي من عداهم ، ولكن المنة عليهم أبلغ وأكثر كما قال تعالى في قوله : { وإنه لذكر لك ولقومك . . . }{[6809]} وهذا أو أمثاله لا ينافي قوله تعالى : { قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا . . . }{[6810]} . . . إلى غير ذلك من الآيات{[6811]} الدالة على عموم بعثته صلوات الله وسلامه عليه إلى جميع الخلق أحمرهم وأسودهم-{[6812]} .

[ { يتلو عليهم آياته } مع كونه أميا مثلهم لم يعهد منه قراءة ولا تعلم ، { ويزكيهم } . . . أي يحملهم على ما يصيرون به أزكياء طاهرين{[6813]} من خبائث العقائد والأعمال { ويعلمهم الكتابة والحكمة } صفة أيضا ل { رسولا } مترتبة في الجود{[6814]} على التلاوة ، وإنما وسط بينهما التزكية التي هي عبارة عن تكميل النفس بحسب قوتها العملية ، وتهذيبها المتفرع على تكميلها بحسب القوة النظرية الحاصل بالتعليم ، المترتب على التلاوة ، للإيذان بأن كلا من الأمور المترتبة نعمة جليلة على حيالها مستوجبة للشكر . . . ]{[6815]} .


[6809]:سورة الزخرف. من الآية 44.
[6810]:- سورة الأعراف. من الآية 158.
[6811]:- ومنها قول الله سبحانه: {تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا} الآية الأولى من سورة الفرقان؛ وكذا قوله جل ثناؤه: {وما أرسلناك إلا كافة للناس...} سورة سبأ. من الآية 28.
[6812]:- مما أورد ابن كثير.
[6813]:- اصطبغوا بصبغة القرآن والتزموا منهاجه إيمانا وعملا وخلقا وتعاملا.
[6814]:- فهم يتلون فيعلمون ويعملون، فالعلم قد يقف عند المعرفة النظرية؛ والحكمة تتسع لتشمل السيرة العملية.
[6815]:ما بين العارضتين [ ] مما أورد الألوسي.