اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{هُوَ ٱلَّذِي بَعَثَ فِي ٱلۡأُمِّيِّـۧنَ رَسُولٗا مِّنۡهُمۡ يَتۡلُواْ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتِهِۦ وَيُزَكِّيهِمۡ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبۡلُ لَفِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٖ} (2)

قوله : { هُوَ الذي بَعَثَ فِي الأميين رَسُولاً مِّنْهُمْ } .

تقدم الكلام في «الأميّ والأميين » جمعه .

و «يَتْلُو » وما بعده صفة ل «رسول » صلى الله عليه وسلم{[56531]} .

قال ابن عبَّاس - رضي الله عنهما - : «الأميّون » العرب كلهم من كتب منهم ومن لم يكتب ؛ لأنهم لم يكونوا أهل كتاب{[56532]} .

وقيل : الأميّون الذين لا يكتبون ، وكذلك كانت قريش{[56533]} .

وروى منصور عن إبراهيم قال : «الأمّي » الذي لا يقرأ ولا يكتب .

وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - الأميون الذين ليس لهم كتاب ولا نبي بعث فيهم{[56534]} ، وقيل : الأميون الذين هم على ما خلقوا عليه .

وقرئ{[56535]} : «الأمين » بحذف ياء النَّسب .

قوله : { رَسُولاً مِنْهُمْ } .

يعني محمداً صلى الله عليه وسلم وما من حيّ من العرب إلا ولرسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم قرابة وقد ولدوه{[56536]} .

وقال ابن إسحاق : إلا بني تغلب ، فإن الله طهَّر نبيه صلى الله عليه وسلم منهم لنصرانيتهم ، فلم يجعل لهم عليه ولادة ، وكان أميًّا لم يقرأ من كتاب ولم يتعلّم صلى الله عليه وسلم .

قال الماورديُّ{[56537]} : فإن قيل : فما وجه الامتنان بأن بعث اللَّهُ نبيًّا أميًّا ؟ .

فالجواب من ثلاثة أوجه :

أحدها : لموافقته ما تقدم من بشارة الأنبياء .

الثاني : لمشاكلة حاله لأحوالهم فيكون أقرب لموافقتهم .

الثالث : لينفي عنه سوء الظن في تعليمه ما دعى إليه من الكتب التي قرأها والحكم التي تلاها .

قال القرطبي{[56538]} : «وهذا كله دليل معجزته وصدق نبوته » .

قوله : { يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ } يعني القرآن «ويُزكِّيهم » أي : يجعلهم أزكياء القلوب بالإيمان . قاله ابن عباس{[56539]} .

وقيل : يطهرهم من دنس الكفر والذنوب . قاله ابن جريج ومقاتل{[56540]} .

وقال السديُّ : يأخذ زكاة أموالهم ، «ويُعَلِّمُهُم الكِتابَ » يعني : القرآن{[56541]} ، «والحكمة » يعني السُّنة . قاله الحسن{[56542]} .

وقال ابن عباس : «الكتاب » الخط بالقلم ، لأن الخط إنما نشأ في العرب بالشَّرع لما أمروا بتقييده بالخط{[56543]} .

وقال مالك بن أنسٍ : «الحكمة » الفقه في الدين .

وقد تقدم في البقرة .

{ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ } أي : من قبله وقبل أن يُرسل إليهم { لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } أي : في ذهاب عن الحق{[56544]} .

فصل في الرد على بعض الشبه

قال ابن الخطيب{[56545]} : احتج أهل الكتاب بهذه الآية ، فقالوا : قوله تعالى : { بَعَثَ فِي الأميين رَسُولاً مِّنْهُمْ } يدل على أنه - عليه الصلاة والسلام كان رسولاً إلى الأميين وهم العرب خاصَّة ، قال : وهذا ضعيف ، فإنه [ لا ]{[56546]} يلزم من تخصيص الشيء بالذكر نفي ما عداه ، ألا ترى قوله تعالى : { وَلاَ تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ }[ العنكبوت : 48 ] أنه لا يفهم منه أنه لا يخطه بشماله ، ولأنه لو كان رسولاً إلى العرب خاصة ، كان قوله تعالى { كَآفَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً }[ سبأ : 28 ] لا يناسب ذلك ، وقد اتفقوا على صدق الرسالة المخصوصة فيكون قوله : { كَآفَّةً لِّلنَّاسِ } دليلاً على أنه - عليه الصلاة والسلام - كان رسولاً إلى الكل .


[56531]:ينظر: الدر المصون 6/315.
[56532]:ذكره القرطبي في "تفسيره" (18/60)، عن ابن عباس وكذا الرازي (30/4).
[56533]:ينظر القرطبي (18/60).
[56534]:ينظر القرطبي في "تفسيره"(18/60) عن ابن عباس وكذا الرازي (30/4).
[56535]:ينظر: الكشاف 4/529، والرازي 30/4.
[56536]:ينظر: القرطبي 18/60.
[56537]:ينظر: النكت والعيون 6/.
[56538]:القرطبي 18/61.
[56539]:ذكره الماوردي في "تفسيره" (6/6) والقرطبي (18/61) عن ابن عباس.
[56540]:ينظر المصدر السابق.
[56541]:ينظر المصدر السابق.
[56542]:ينظر المصدر السابق.
[56543]:ينظر المصدر السابق.
[56544]:ينظر القرطبي 18/61.
[56545]:ينظر: التفسير الكبير 30/4.
[56546]:سقط من أ.