فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{هُوَ ٱلَّذِي بَعَثَ فِي ٱلۡأُمِّيِّـۧنَ رَسُولٗا مِّنۡهُمۡ يَتۡلُواْ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتِهِۦ وَيُزَكِّيهِمۡ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبۡلُ لَفِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٖ} (2)

{ هو الذي بعث } أرسل { في الأميين } أي إليهم والمراد بهم العرب من كان يحسن الكتابة منهم ، ومن لا يحسنها لأنهم لم يكونوا أهل كتاب ، والأمي في الأصل الذي لا يكتب ولا يقرأ المكتوب ، وكان غالب العرب كذلك ، وقال النسفي : الأمي منسوب إلى أمة العرب لأنهم كانوا لا يكتبون ولا يقرأون من بين الأمم ، وقيل : بدأت الكتابة بالطائف وهم أخذوها من أهل الحيرة ، وأهل الحيرة من أهل الأنبار انتهى .

و " عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب " أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما .

{ رسولا منهم } أي من أنفسهم ومن جنسهم ومن جملتهم ، كما قوله : { لقد جاءكم رسول من أنفسكم } وما كان حي من أحياء العرب إلا ولرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيهم قرابة ، وقد والوه ، ووجه الامتنان بكونه منهم أن ذلك اقرب إلى الموافقة لأن الجنس أميل إلى جنسه وأقرب إليه ، وقيل : أميا مثلهم وإنما كان أميا لأن نعته في كتب الأنبياء النبي الأمي وكونه بهذه الصفة أبعد من توهم الاستعانة بالكتابة على ما أتى به من الوحي ، والحكمة ، ولكون حاله مشاكلة لحال أمته الذين بحث فيهم ، وذلك أقرب إلى صدقه ، والاقتصار هنا في المبعوث إليهم على الأميين لا ينافي أنه مرسل إلى غيرهم لأن ذلك مستفاد من دليل آخر كقوله : { وما أرسلناك إلا كافة للناس } .

{ يتلو عليهم آياته } يعني القرآن مع كونه أميا لا يقرأ ولا يكتب . ولا تعلم ذلك من أحد والجملة حال أو نعت ل { رسولا } وكذا قوله : { ويزكيهم } أي يطهرهم من دنس الكفر والذنوب قاله ابن جريج ومقاتل ، وقيل : من الشرك وخبائث الجاهلية ، وقال السدي : يأخذ زكاة أموالهم ، وقيل : يجعلهم أزكياء القلوب بالإيمان ، وقال الكرخي : يحملهم على ما يصيرون به أزكياء من حيث العقائد .

{ ويعلمهم الكتاب والحكمة } الجملة صفة ثالثة ل { رسولا } ، والمراد بالكتاب القرآن وبالحكمة السنة كذا قال الحسن وقيل : الكتاب الحظ بالقلم والحكمة الفقه في الدين ، كذا قال مالك بن أنس ، وقيل : المراد بالكتاب الفرائض { وإن كانوا من قبل } أي من قبل بعثته فيهم ، ومجيئه إليهم { لفي ضلال مبين } أي في شرك وذهاب عن الحق وكفر وجهالة ، وإن مخففة من الثقيلة واللام دليل عليها أي كانوا في ضلال واضح لا ترى ضلالا أعظم منه .