تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{سَآءَ مَثَلًا ٱلۡقَوۡمُ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِنَا وَأَنفُسَهُمۡ كَانُواْ يَظۡلِمُونَ} (177)

سَاءَ مَثَلا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَأَنْفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ أي : ساء وقبح ، مثل من كذب بآيات اللّه ، وظلم نفسه بأنواع المعاصي ، فإن مثلهم مثل السوء ، وهذا الذي آتاه اللّه آياته ، يحتمل أن المراد به شخص معين ، قد كان منه ما ذكره اللّه ، فقص اللّه قصته تنبيها للعباد . ويحتمل أن المراد بذلك أنه اسم جنس ، وأنه شامل لكل من آتاه اللّه آياته فانسلخ منها .

وفي هذه الآيات الترغيب في العمل بالعلم ، وأن ذلك رفعة من اللّه لصاحبه ، وعصمة من الشيطان ، والترهيب من عدم العمل به ، وأنه نزول إلى أسفل سافلين ، وتسليط للشيطان عليه ، وفيه أن اتباع الهوى ، وإخلاد العبد إلى الشهوات ، يكون سببا للخذلان .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{سَآءَ مَثَلًا ٱلۡقَوۡمُ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِنَا وَأَنفُسَهُمۡ كَانُواْ يَظۡلِمُونَ} (177)

وقوله : { سَآءَ مَثَلاً القوم الذين كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا } استئناف مسوق لبيان كمال قبحهم بعد البيان السابق . و { سَآءَ } بمعنى بئس وفاعلها مضمر . و { مَثَلاً } تمييز مفسر له ، والمخصوص بالذم قوله - تعالى - { القوم الذين كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا } .

أى : ساء مثلا مثل أولئك القوم الذين كذبوا بآياتنا حيث شبهوا بالكلاب إما في استواء الحالتين في النقصان وأنهم ضالون وعظوا أم لم يوعظوا ، وإما في الخسة ، فإن الكلاب لاهمة لها إلا في تحصيل أكلة أو شهوة ، فمن خرج عن خير الهدى والعلم وأقبل على هواه صار شبيها بالكلب ، وبئس المثل مثله ولهذا ثبت في الصحيحين عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ليس لنا مثل السوء . العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه " .

وقوله { وَأَنفُسَهُمْ كَانُواْ يَظْلِمُونَ } معطوف على { كَذَّبُواْ } داخل معه في حكم الصلة بمعنى أنهم جمعوا بين أمرين قبيحين : التكذيب وظلمهم أنفسهم أو منقطع عنه بمعنى وما ظلموا إلا أنفسهم وحدها بارتكابهم تلك الموبقات والخطيئات . فإن العقوبة لا تقع إلا عليهم لا على غيرهم .

هذا ، والذى ذهب إليه المحققون من العلماء أن هذه الآيات الكريمة المثل فيها مضروب لكل إنسان أوتى علما ببعض آيات الله ، ولكنه لم يعمل بمقتضى علمه ، بل كفر بهم وبنذها وراء ظهره وصار هو والجاهل سواء .

وقيل : إن الآيات الكريمة واردة في شخص معين ، واختلفوا في هذا المعين .

فبعضهم قال إنها في أمية بن أبى الصلت ، فإنه كان قد قرأ الكتيب ، وعلم أن الله مرسل رسولا وتمنى أن يكون هو هذا الرسول ، فلما أرسل الله - تعالى - نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم حسده ومات كافراً .

وبعضهم قال : نزلت في أبى عامر الراهب الذي سماه النبى صلى الله عليه وسلم : " الفاسق " كان يترهب في الجاهلية فلما جاء الإسلام خرج إلى الشام ، وأمر المنافقين باتخاذ مسجد الضرار والشقاق .

وبعضهم قال : إنها في منافقى أهل الكتاب ، كانوا يعرفون صفة النبى صلى الله عليه وسلم ومخرجه ، فلما بعثه الله - تعالى - كفروا به .

وبعضهم قال : إنها نزلت لتحكى قصة رجل من علماء اليهود اسمه بلعم ابن باعوراء أوتى علم بعض كتب الله ثم انسلخ منها بأن كفر بها ونبذها بعد أن رشاه اليهود .

والذى نراه أن الرأى الأول الذي عليه المحققون من المفسرين هو الراجح ، وأن هؤلاء الذين ذكروا يندرجون تحته ، لأنه لم يرد نص صحيح يعين اسم الذي وردت الآيات في حقه ، فوجب أن نحملها على أنها واردة في شأن كل من علم الحق فأعرض عنه واتبع هواه .

ثم يعقب القرآن على هذا المثل ببيان أن الهداية والضلال من الله وأن هناك أقواماً من الجن والإنس قد خلقوا لجهنم بسبب إيثارهم طريق الشر على طريق الخير قال - تعالى - : { مَن يَهْدِ الله . . . } .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{سَآءَ مَثَلًا ٱلۡقَوۡمُ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِنَا وَأَنفُسَهُمۡ كَانُواْ يَظۡلِمُونَ} (177)

وقوله : { ساء مثلاً } قال الزجاج : التقدير ساء مثلاً مثل القوم ، لأن الذي بعد «بئس » و «نعم » إنما يتفسر من نوعه ، كما تقول بئس رجلاَ زيد ، ولما انحذف مثل أقيم القوم مقامه ، والرفع في ذلك بالابتداء والخبر فيما تقدم ، وقرأ الجحدري «ساء مثلُ القوم » ، ورفع مثل على هذه القراءة ب { ساء } ، ولا تجري { ساء } مجرى «بئس » إلا إذا كان ما بعدها منصوباً ، قال أبو عمرو الداني : قرأ الجحدري «مِثلُ » بكسر الميم ورفع اللام ، وقرأ الأعمش «مَثَلُ » بفتح الميم والثاء ورفع اللام .

قال القاضي أبو محمد : وهذا خلاف ما ذكر أبو حاتم فإنه قال : قرأ الجحدري والأعمش «ساء مثلُ » بالرفع .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{سَآءَ مَثَلًا ٱلۡقَوۡمُ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِنَا وَأَنفُسَهُمۡ كَانُواْ يَظۡلِمُونَ} (177)

جملة مستأنفة لأنها جعلت إنشاء ذَم لهم ، بأن كانوا في حالة شنيعة وظلموا أنفسهم .

والظلم هنا على حقيقته فإنهم ظلموا أنفسهم بما أحلّوه بها من الكفر الذي جعلهم مذمومين في الدنيا ومعذبين في الآخرة .

وتقديم المفعول للاختصاص ، أي ما ظلموا إلا أنفسهم ، وشأن العاقل أن لا يؤذي نفسه ، وفيه إزالة تبجحهم بأنهم لم يتبعوا محمداً صلى الله عليه وسلم ظناً منهم أن ذلك يغيظه ويغيظ المسلمين ، وإنما يضُرون أنفسهم .

وجملة : { وأنفسهم كانوا يظلمون } يجوز أن تكون معطوفة على الصلة باعتبار أنهم معروفون بمضمون هذه الجملة عند النبي والمسلمين ، ويجوز أن تكون معطوفة على جملة : { ساء مثلاً القوم } فتكون تذييلاً للجملة التي قبلها إخباراً عنهم بأنهم في تكذيبهم ، وإنتفاء من القصص ما ظلموا إلا أنفسهم .

وقوله : { كانوا يظلمون } أقوى في إفادة وصفهم بالظلم من أن يقال : وظلموا أنفسهم ، كما تقدم في قوله تعالى : { وليكون من الموقنين } في سورة الأنعام ( 75 ) .