تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَٱلنَّجۡمُ وَٱلشَّجَرُ يَسۡجُدَانِ} (6)

{ وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ } أي : نجوم السماء ، وأشجار الأرض ، تعرف ربها وتسجد له ، وتطيع وتخشع{[943]}  وتنقاد لما سخرها له من مصالح عباده ومنافعهم .


[943]:- في ب: وتخضع.
 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَٱلنَّجۡمُ وَٱلشَّجَرُ يَسۡجُدَانِ} (6)

ثم قال - تعالى - : { والنجم والشجر يَسْجُدَانِ } والمراد بالنجم هنا - عند بعضهم - النبات الذى لا ساق له ، وسمى بذلك . لأنه ينجم - أى يظهر من الأرض - بدون ساق .

ويرى آخرون : أن المراد به نجوم السماء ، فهو اسم جنس لكل ما يظهر فى السماء من نجوم . ويؤيد هذا الرأى قوله - تعالى - : { أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السماوات وَمَن فِي الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدوآب وَكَثِيرٌ مِّنَ الناس وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ العذاب . . . } والشجر : هو النبات الذى له ساق وارتفاع عن وجه الأرض .

والمراد بسجودهما : انقيادهما وخضوعهما لله - تعالى - كانقياد الساجد لخالقه .

قال ابن كثير : قال ابن جرير : اختلف المفسرون فى معنى قوله : { والنجم } بعد إجماعهم على أن الشجر ما قام على ساق ، فعن ابن عباس قال : النجم : ما انبسط على وجه الأرض من النبات . وكذا قال هذا القول سعيد بن جبير ، والسدى ، وسفيان الثورى ، وقد اختاره ابن جرير .

وقال مجاهد : النجم - المراد به هنا - الذى يكون فى السماء ، وكذا قال الحسن وقتادة ، وهذا القول هو الأظهر .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَٱلنَّجۡمُ وَٱلشَّجَرُ يَسۡجُدَانِ} (6)

والنجم والشجر يسجدان له ليطابقا ما قبلهما وما بعدهما في اتصالهما ب الرحمن لكنهما جردتا عما يدل على الاتصال إشعارا بأن وضوحه يغنيه عن البيان وإدخال العاطف بينهما لاشتراكهما في الدلالة على أن ما يحس به من تغيرات أحوال الأجرام العلوية والسفلية بتقديره وتدبيره .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَٱلنَّجۡمُ وَٱلشَّجَرُ يَسۡجُدَانِ} (6)

عطف على جملة { الشمس والقمر بحسبان } [ الرحمن : 5 ] عطف الخبر على الخبر للوجه الذي تقدم لأن سجود الشمس والقَمر لله تعالى وهو انتقال من الامتنان بما في السماء من المنافع إلى الامتنان بما في الأرض ، وجعل لفظ { النجم } واسطة الانتقال لصلاحيته لأنه يراد منه نجوم السماء وما يسمى نجماً من نبات الأرض كما يأتي .

وعطفت جملة { والنجم والشجر يسجدان } ولم تفصل فخرجت من أسلوب تعداد الأخبار إلى أسلوب عطف بعض الأخبار على بعض لأن الأخبار الواردة بعد حروف العطف لم يقصد بها التعداد إذ ليس فيها تعريض بتوبيخ المشركين ، فالإِخبار بسجود النجم والشجر أريد به الإِيقاظ إلى ما في هذا من الدلالة على عظيم القدرة دلالة رمزية ، ولأنه لما اقتضى المقام جمع النظائر من المزاوجات بَعد ذكر الشمس والقمر ، كان ذلك مقتضياً سلوك طريقة الوصل بالعطف بجامع التضاد .

وجُعلت الجملة مفتَتَحة بالمسند إليه لتكون على صورة فاتحة الجملة التي عطفت هي عليها . وأتي بالمسند فعلاً مضارعاً للدلالة على تجدد هذا السجود وتكرره على معنى قوله تعالى : { ولله يسجد من في السموات والأرض طوعاً وكرهاً وظلالهم بالغدوّ والآصال } [ الرعد : 15 ] .

و { النجم } يطلق : اسمَ جمع على نجوم السماء قال تعالى : { والنجم إذا هوى } [ النجم : 1 ] ، ويطلق مفرداً فيُجمع على نجوم ، قال تعالى : { وإدبار النجوم } [ الطور : 49 ] . وعن مجاهد تفسيره هنا بنجوم السماء .

ويطلق النجم على النبات والحشيش الذي لا سُوق له فهو متصل بالتراب . وعن ابن عباس تفسير النجم في هذه الآية بالنبات الذي لا ساق له . والشجر : النبات الذي له ساق وارتفاعٌ عن وجه الأرض . وهذان ينتفع بهما الإِنسان والحيوان .

فحصل من قوله : { والنجم والشجر يسجدان } بعد قوله : { الشمس والقمر بحسبان } [ الرحمن : 5 ] قرينتان متوازيتان في الحركة والسكون وهذا من المحسنات البديعية الكاملة .

والسجود : يطلق على وضع الوجه على الأرض بقصد التعظيم ، ويطلق على الوقوع على الأرض مجازاً مرسلاً بعلاقة الإِطلاق ، أو استعارة ومنه قولهم : « نخلة ساجدة » إذا أمالها حِمْلُها ، فسجود نجوم السماء نزولها إلى جهات غروبها ، وسجود نجم الأرض التصاقه بالتراب كالساجد ، وسجود الشجر تطأطؤه بهبوب الرياح ودنوّ أغصانه للجانين لثماره والخابطين لورقه ، ففعل { يسجدان } مستعمل في معنيين مجازيين وهما الدنو للمتناول والدلالة على عظمة الله تعالى بأن شبه ارتسام ظِلالهما على الأرض بالسجود كما قال تعالى : { ولله يسجد من في السماوات والأرض طَوعاً وكرهاً وظِلالهم بالغدوّ والآصال } في سورة الرعد ( 15 ) ، وكما قال امرؤ القيس :

يَكُبُّ على الأذ *** قان وْحَ الكَنَهْبَلِ

فقال : على الأذقان ، ليكون الانكباب مشبهاً بسقوط الإنسان على الأرض بوجهه ففيه استعارة مكنية ، وذكر الأذقان تخييل ، وعليه يكون فعل { يسجدان } هنا مستعملاً في مجازه ، وذلك يفيد أن الله خلق في الموجودات دلالات عِدَّةً على أن الله مُوجدها ومُسخرها ، ففي جميعها دلالات عقلية ، وفي بعضها أو معظمها دلالات أخرى رمزية وخيالية لتفيد منها العقول المتفاوتة في الاستدلال .