تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱللَّهِ وَٱعۡتَصَمُواْ بِهِۦ فَسَيُدۡخِلُهُمۡ فِي رَحۡمَةٖ مِّنۡهُ وَفَضۡلٖ وَيَهۡدِيهِمۡ إِلَيۡهِ صِرَٰطٗا مُّسۡتَقِيمٗا} (175)

ولكن انقسم الناس -بحسب الإيمان بالقرآن والانتفاع به- قسمين :

{ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ } أي : اعترفوا بوجوده واتصافه بكل وصف كامل ، وتنزيهه من كل نقص وعيب . { وَاعْتَصَمُوا بِهِ } أي : لجأوا إلى الله واعتمدوا عليه وتبرأوا من حولهم وقوتهم واستعانوا بربهم . { فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ وَفَضْلٍ } أي : فسيتغمدهم بالرحمة الخاصة ، فيوفقهم للخيرات ويجزل لهم المثوبات ، ويدفع عنهم البليات والمكروهات .

{ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا } أي : يوفقهم للعلم والعمل ، معرفة الحق والعمل به .

أي : ومن لم يؤمن بالله ويعتصم به ويتمسك بكتابه ، منعهم من رحمته ، وحرمهم من فضله ، وخلى بينهم وبين أنفسهم ، فلم يهتدوا ، بل ضلوا ضلالا مبينا ، عقوبة لهم على تركهم الإيمان فحصلت لهم الخيبة والحرمان ، نسأله تعالى العفو والعافية والمعافاة .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱللَّهِ وَٱعۡتَصَمُواْ بِهِۦ فَسَيُدۡخِلُهُمۡ فِي رَحۡمَةٖ مِّنۡهُ وَفَضۡلٖ وَيَهۡدِيهِمۡ إِلَيۡهِ صِرَٰطٗا مُّسۡتَقِيمٗا} (175)

ثم بين - سبحانه - حسن عاقبة المستجيبين للحق ، السالكين الطريق المستقيم ، فقال : { فَأَمَّا الذين آمَنُواْ بالله واعتصموا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً } .

أى : أن الله - تعالى - قد ارسل إلى الناس رسوله وأنزل عليهم بواسطته قرآنه ، فمنهم من آمن واهتدى ، ومنهم من كفر وغوى ، فأما الذين آمنوا بالله - تعالى - حق الإِيمان ، واعتصموا به - سبحانه - مما يضرهم ويؤذيهم ، فلم يستجيروا إلا به ، ولم يخضعوا إلا له ، ولم يعتمدوا إلا عليه .

هؤلاء الذين فعلوا ذلك سيدخلهم الله - تعالى - فى رحمة منه وفضل أى سيدخلهم فى جنته ورضوانه ، ويضفى عليهم من فضله وإحسانه بما يشرح صدورهم ، ويبهج نفوسهم ، ويصلح بالهم .

وقوله { وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً } أى : ويوفقهم فى دنياهم إلى سلوك الطريق الحق وهو طريق الإِسلام ، الذى يفضى بهم فى آخرتهم إلى السعادة والأمان والفوز برضا الله - عز وجل - .

وقد ذكرت الآية ثواب الذين آمنوا بالله واعتصموا به ، ولم تذرك عقاب الذين كفروا إهمالا لهم ، لأنهم فى حيز الطرد والطرح ، أو لأن عاقبتهم السيئة معروفة لكل عاقل بسب كفرهم وسوقهم عن أمر الله .

والسين فى قوله { فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ وَفَضْلٍ } للتأكيد . أى فسيدخلهم فى رحمة كائنة منه وفى فضل عظيم من عنده إدخالا لا شك فى حصوله ووقوعه .

وقوله { صِرَاطاً } مفعول ثان ليهدى لتضمنه معنى يعرفهم .

وبذلك نرى أن هذه الآيات الكريمة قد نهت أهل الكتاب عن المغالاة فى شأن عيسى - عليه السلام - ، وعرفتهم حقيقته ، ودعتهم إلى الإِيمان بوحدانية الله ، وبينت لهم ولغيرهم أن عيسى وغيره من الملائكة المقربين لن يستنكفوا عن عبادة الله ، وان من امتنع عن عابدة الله فسيحاسبه - سبحانه - حسابا عسيرا ، ويجازيه بما يستحقه من عقاب . أما من آمن بالله - تعالى - واتبع الحق الذى أنزله على رسله ، فسينال منه - سبحانه - الرحمة الواسعة ، والفضل العظيم ، والسعادة التى ليست بعدها سعادة .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱللَّهِ وَٱعۡتَصَمُواْ بِهِۦ فَسَيُدۡخِلُهُمۡ فِي رَحۡمَةٖ مِّنۡهُ وَفَضۡلٖ وَيَهۡدِيهِمۡ إِلَيۡهِ صِرَٰطٗا مُّسۡتَقِيمٗا} (175)

{ فأما الذين آمنوا بالله واعتصموا به فسيدخلهم في رحمة منه } في ثواب قدره بإزاء إيمانه وعمله رحمة منه لا قضاء لحق واجب { وفضل } إحسان زائد عليه { ويهديهم إليه } إلى الله سبحانه وتعالى . وقيل إلى الموعود . { صراطا مستقيما } هو الإسلام والطاعة في الدنيا ، وطريق الجنة في الآخرة .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱللَّهِ وَٱعۡتَصَمُواْ بِهِۦ فَسَيُدۡخِلُهُمۡ فِي رَحۡمَةٖ مِّنۡهُ وَفَضۡلٖ وَيَهۡدِيهِمۡ إِلَيۡهِ صِرَٰطٗا مُّسۡتَقِيمٗا} (175)

ثم وعد تبارك وتعالى المؤمنين بالله ، المعتصمين به ، والضمير في { به } يحتمل أن يعود على الله تعالى ، ويحتمل أن يعود على القرآن الذي تضمنه قوله تعالى : { نوراً مبيناً } و «الاعتصام » به التمسك بسببه وطلب النجاة والمنعة به ، فهو يعصم كما تعصم المعاقل ، وهذا قد فسره قول النبي صلى الله عليه وسلم : «القرآن حبل الله المتين من تمسك به عصم » و «الرحمة » و «الفضل » : الجنة وتنعيمها ، { ويهديهم } ، معناه : إلى الفضل ، وهذه هداية طريق الجنان ، كما قال تعالى : { سيهديهم ويصلح بالهم }{[4391]} لأن هداية الإرشاد قد تقدمت وتحصلت حين آمنوا بالله واعتصموا بكتابه ، و { صراطاً } نصب بإضمار فعل يدل عليه { يهديهم } ، تقديره فيعرفهم ، ويحتمل أن ينتصب كالمفعول الثاني : إذ { يهديهم } في معنى يعرفهم ، ويحتمل أن ينتصب على ظرفية «ما » ويحتمل أن يكون حالاً من الضمير في { إليه } وقيل : من [ فضل ] والصراط : الطريق وقد تقدم تفسيره .


[4391]:- الآية رقم (5) من سورة (محمد) عليه الصلاة والسلام.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱللَّهِ وَٱعۡتَصَمُواْ بِهِۦ فَسَيُدۡخِلُهُمۡ فِي رَحۡمَةٖ مِّنۡهُ وَفَضۡلٖ وَيَهۡدِيهِمۡ إِلَيۡهِ صِرَٰطٗا مُّسۡتَقِيمٗا} (175)

( أمّا ) في قوله : { فأما الذين آمنوا بالله } يجوز أن يكون للتفصيل : تفصيلاً لِمَا دَلّ عليه { يا أيها الناس } من اختلاف الفرق والنزعات : بين قابل للبرهان والنّور ، ومكابر جاحد ، ويكون مُعادل هذا الشقّ محذوفاً للتهويل ، أي : وأمَّا الذين كفروا فلا تسل عنهم ، ويجوز أن يكون ( أمّا ) لمجرد الشرط دون تفصيل ، وهو شرط لِعموم الأحوال ، لأنّ ( أمّا ) في الشرط بمعنى ( مَهما يكُنْ من شيء ) وفي هذه الحالة لا تفيد التفصيل ولا تطلب معادلاً .

والاعتصام : اللوْذ ، والاعتصام بالله استعارة لللوذ بدينه ، وتقدّم في قوله { واعتصموا بحبل الله جميعاً } في سورة آل عمران ( 103 ) . والإدخال في الرحمة والفضل عبارة عن الرضى .

وقوله : ويهديهم إليه صراطاً مستقيماً } : تعلَّق الجار والمجرور ب ( يهدي ) فهو ظرف لَغو ، و { صراطاً } مفعول ( يهدي ) ، والمعنى يهديهم صراطاً مستقيماً ليصلوا إليه ، أي إلى الله ، وذلك هو متمنّاهم ، إذ قد علموا أنّ وعدهم عنده .