الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱللَّهِ وَٱعۡتَصَمُواْ بِهِۦ فَسَيُدۡخِلُهُمۡ فِي رَحۡمَةٖ مِّنۡهُ وَفَضۡلٖ وَيَهۡدِيهِمۡ إِلَيۡهِ صِرَٰطٗا مُّسۡتَقِيمٗا} (175)

قوله تعالى : " فأما الذين آمنوا بالله واعتصموا به " أي بالقرآن عن معاصيه ، وإذا اعتصموا بكتابه فقد{[5186]} اعتصموا به وبنبيه . وقيل : " اعتصموا به " أي بالله . والعصمة الامتناع ، وقد تقدم{[5187]} .

قوله تعالى : " ويهديهم " أي وهو يهديهم ، فأضمر هو ليدل على أن الكلام مقطوع مما قبله . " إليه " أي إلى ثوابه . وقيل : إلى الحق ليعرفوه . " صراطا مستقيما " أي دينا مستقيما . و " صراطا " منصوب بإضمار فعل دل عليه " ويهديهم " التقدير ؛ ويعرفهم صراطا مستقيما . وقيل : هو مفعول ثان على تقدير ، ويهديهم إلى ثوابه صراطا مستقيما . وقيل : هو حال . والهاء في " إليه " قيل : هي للقرآن ، وقيل : للفضل ، وقيل للفضل والرحمة ؛ لأنهما بمعنى الثواب . وقيل : هي لله عز وجل على حذف المضاف كما تقدم من أن المعنى ويهديهم إلى ثوابه . أبو علي : الهاء راجعة إلى ما تقدم من اسم الله عز وجل ، والمعنى ويهديهم إلى صراطه ، فإذا جعلنا " صراطا مستقيما " نصبا على الحال كانت الحال من هذا المحذوف . وفي قوله : " وفضل " دليل على أنه تعالى يتفضل على عباده بثوابه ؛ إذ لو كان في مقابلة العمل لما كان فضلا . والله أعلم .


[5186]:في ج و ز.
[5187]:راجع ج 4 ص 156.