اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱللَّهِ وَٱعۡتَصَمُواْ بِهِۦ فَسَيُدۡخِلُهُمۡ فِي رَحۡمَةٖ مِّنۡهُ وَفَضۡلٖ وَيَهۡدِيهِمۡ إِلَيۡهِ صِرَٰطٗا مُّسۡتَقِيمٗا} (175)

فالمُراد : أنهم امتنعُوا به من زَيْغِ الشَّيْطَانِ ، { فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مَّنْهُ وَفَضْلٍ } .

فصل

قال ابن عبَّاسٍ - رضي الله عنهما - : المراد بالرَّحْمَةِ الجَنَّة{[10435]} ، وبالفَضْلِ : ما يَتَفَضَّل به عليْهِم بمَا لا عَين رَأتْ ، ولا أذُن سَمِعَتْ ، [ ولا خَطَرَ على قَلْبِ بَشر ]{[10436]} .

{ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً } .

قوله عزَّ وجَّل : { صِرَاطاً } : مفعولٌ ثان ل " يَهْدِي " ؛ لأنه يتعدَّى لاثنين ؛ كما تقدم تحريره ، وقال جماعةٌ منهم{[10437]} مَكِّيٌّ : إنه مفعولٌ بفعْلٍ محذوف دلَّ عليه " يَهْدِيهم " ، والتقدير : " يُعَرِّفُهُمْ " . وقال أبو البقاء{[10438]} قريباً من هذا إلا أنه لم يُضْمِرْ فعلاً ، بل جعله منصوباً ب " يَهْدِي " على المعنى ؛ لأنَّ المعنى يُعرِّفُهُم ، قال مكيٌّ{[10439]} في الوجه الثاني : " ويجوز أن يكون مفعولاً ثانياً ل " يَهْدِي " ، أي : يَهْدِيهِم صِرَاطاً مستقيماً إلى ثوابه وجزائه " قال شهاب الدين : ولم أدْرِ لِمَ خَصَّصُوا هذا الموضِعَ دُونَ الذي في الفاتِحَةِ [ الآية : 3 ] ، واحتاجوا إلى تقدير فعل ، أو تضمينه معنى " يُعَرِّفُهُمْ " ؟ وأجاز أبو عليٍّ أن يكون منصوباً على الحال من محذوف ؛ فإنه قال : " الهاءُ في " إليه " راجعةٌ إلى ما تقدَّم من اسم الله ، والمعنى : ويَهْديهم إلى صراطه ، فإذا جعلنا " صِرَاطاً مُسْتَقِيماً " نصباً على الحال ، كانت الحالُ من هذا المحْذُوفِ " . انتهى ، فتحصَّل في نصبه أربعةُ أوجه :

أحدها : أنه مفعول ب " يَهْدِي " من غير تضمين معنى فعل آخر .

الثاني : أنه على تضمين معنى " يُعَرِّفُهُمْ " .

الثالث : أنه منصوبٌ بمحذوفٍ .

الرابع : أنه نصبٌ على الحال ، وعلى هذا التقدير الذي قدَّره الفارسيُّ تقْرُبُ من الحالِ المؤكِّدة ، وليس كقولك : " تَبَسَّمَ ضَاحِكاً " ؛ لمخالفتِها لصاحبها بزيادة الصفةِ ، وإن وافقته لفظاً ، والهاءُ في " إلَيْهِ " : إمَّا عائدةٌ على " الله " بتقدير حذفِ مضافٍ ؛ كما تقدَّم من نحو : " ثوابِ " أو " صِرَاطه " ، وإمَّا على الفضلِ والرحمة ؛ لأنهما في معنى شيء واحد ، وإما عائدةٌ على الفضل ؛ لأنه يُراد به طريقُ الجنان .


[10435]:ينظر: الرازي 9/93.
[10436]:سقط في ب.
[10437]:ينظر: المشكل 1/215.
[10438]:ينظر: الإملاء 1/205.
[10439]:ينظر: المشكل 1/215.