نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱللَّهِ وَٱعۡتَصَمُواْ بِهِۦ فَسَيُدۡخِلُهُمۡ فِي رَحۡمَةٖ مِّنۡهُ وَفَضۡلٖ وَيَهۡدِيهِمۡ إِلَيۡهِ صِرَٰطٗا مُّسۡتَقِيمٗا} (175)

ولما أشار في هذه الآية إلى الرسول الأصفى والنبي الأهدى ، المجبول على هذا العقل الأقوم الأجلي ، والكتاب الأتم الأوفى ، الجاري على هذا القانون الأعلى ، الوافي تعبيره الوجيز بأحكام الأولى والأخرى ، الكفيل سياقه وترتيب آياته بوضوح الأدلة وظهور{[24014]} الحجج ؛ أخذ يقسم{[24015]} المنذرين فقال تعالى : { فأما الذين آمنوا بالله } أي الذي اتضح أنه {[24016]}لا أمر{[24017]} لأحد معه في ذاته وصفاته وأفعاله وأحكامه وأسمائه بما دل عليه قاطع البرهان { واعتصموا به } أي جعلوه عصاماً لهم في الفرائض التي هي من أعظم مقاصد هذه السورة ، يربطهم{[24018]} ويضبطهم عن أن يضلوا بعد الهدى ، ويرجعوا من الاسبتصار إلى العمى ، لأن العصام هو الرابط للوعاء أن يخرج شيء مما فيه ، وصيغة الافتعال تدل على الاجتهاد في ذلك ، لأن النفس داعية إلى الإهمال المنتج للضلال { فسيدخلهم } أي بوعد لا خلف فيه ، ولعل السين ذكرت{[24019]} لتفيد{[24020]} مع تحقيق الوعد الحثَّ على المثابرة والمداومة على العمل إشارة إلى عزة ما عنده سبحانه { في رحمة منه } أي ثواب عظيم هو برحمته لهم ، لا بشيء استوجبوه ، وأشار إلى البر على ما تقتضيه{[24021]} أعمالهم لو كانت لهم بقوله : { وفضل } أي عظيم يعلمون{[24022]} أنه زيادة ، لا سبب لهم فيها { ويهديهم } أي في الدنيا والآخرة { إليه صراطاً } {[24023]}أي عظيماً واضحاً جداً{[24024]} { مستقيماً * } أي هو مرشد قومه ، كأنه{[24025]} طالب لتقويم نفسه ، فهو يوصلهم لا محالة إلى وعده بما يحفظهم في سرهم وعلنهم ، يستجلي أنوار عالم القدس في أرواحهم وتوفيقهم لاتباع{[24026]} ما هدت إليه من أمر الفرائض وغيرها ، فقد أتى - كما ترى - بأما المقتضية{[24027]} للتقسيم لا محالة ، وأتى بأحد القسمين المذكورين في الآية التي قبلها ، ووصفهم بالاعتصام بالله في النصرة وقبول جميع أحكامه في الفرائض غيرها ، وافقت أهويتهم أو خالفتها{[24028]} ، تعريضاً للمنافقين الذين {[24029]}والوا غيرهم{[24030]} ، وبالكافرين الذين آمنوا ببعض وكفروا ببعض ، وترك القسم الآخر وهو قسم المستنكفين والمستكبرين ، ووضع موضعه حكماً من أحكام الفرائض المفتتح بها السورة{[24031]} التي هي من أعظم مقاصدها من غير حرف عطف ، بل بكمال الاتصال ، فقال منكراً عليهم تكرير السؤال عن النساء والأطفال بعد شافي المقال ، مبيناً أنه قد هدى في ذلك كله أقوم طريق : { يستفتونك } .


[24014]:من ظ ومد، وفي الأصل: ظهر.
[24015]:في ظ: تقسيم.
[24016]:في ظ: لا من.
[24017]:في ظ: لا من.
[24018]:في ظ: تربطهم.
[24019]:من ظ، وفي الأصل ومد: ذكر.
[24020]:في ظ: مفيدا.
[24021]:في ظ: يقتضيه.
[24022]:من ظ ومد، وفي الأصل: تعلمون.
[24023]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[24024]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[24025]:من ظ ومد، وفي الأصل: لأنه.
[24026]:من ظ ومد، وفي الأصل: الإتباع.
[24027]:سقط من ظ.
[24028]:في ظ: خالقها ت كذا.
[24029]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[24030]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[24031]:من مد، وفي الأصل وظ: الصورة ـ كذا.