الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱللَّهِ وَٱعۡتَصَمُواْ بِهِۦ فَسَيُدۡخِلُهُمۡ فِي رَحۡمَةٖ مِّنۡهُ وَفَضۡلٖ وَيَهۡدِيهِمۡ إِلَيۡهِ صِرَٰطٗا مُّسۡتَقِيمٗا} (175)

قوله تعالى : { صِرَاطاً } : مفعول ثان ل " يهدي " لأنه يتعدى لاثنين كما تقدم تحريره . وقال جماعة منهم مكي : إنه مفعول بفعلٍ محذوف دَلَّ عليه " يهديهم " ، والتقدير : " يُعَرِّفهم " وقال أبو البقاء قريباً من هذا إلا أنه لم يُضْمِرْ فعلاً ، بل جَعَلَه منصوباً ب " يهدي " على المعنى ، لأنَّ المعنى يُعَرِّفهُم . قال مكي في الوجه الثاني : " ويجوز أن يكونَ مفعولاً ثانياً ل " يَهْدي " أي : يهديهم صراطاً مستقيماً إلى ثوابه وجزائه " ولم اَدْرِ لِمَ خَصَّصوا هذا الموضع دونَ الذي في الفاتحة ، واحتاجوا إلى تقدير فعل أو تضمنيه معنى " يُعَرِّفهم " ؟ وأجاز أبو عليّ أن يكون منصوباً على الحال من محذوف فإنه قال : " الهاءُ في " إليه " راجعةٌ إلى ما تقدم من اسم الله ، والمعنى : ويهديهم إلى صراطه ، فإذا جعلنا " صراطاً مستقيماً " نصباً على الحال كانت الحالُ من هذا المحذوفِ " انتهى . فتحصَّل في نصبه أربعةُ أوجه ، أحدها : أنه مفعول ب " يهدي " من غير تضمين معنى فعل آخرَ . الثاني : أنه على تضمين معنى " يُعَرفهم " الثالث : أنه منصوبٌ بمحذوفٍ . الرابع : أنه نصبٌ على الحال ، وعلى هذا التقديرِ الذي قَدَّره الفارسي تقْرُب من الحالِ المؤكدة ، وليس كقولك : " تبسَّم ضاحكاً " لمخالفتِها لصاحبِها بزيادةِ الصفةِ وإن وافقته لفظاً . والهاءُ في " إليه " إمَّا عائدةٌ على " الله " بتقدير حذف مضاف كما تقدم من نحو : " ثوابه " أو " صراطه " ، وإمَّا على الفضلِ والرحمة لأنهما في معنى شيءٍ واحد ، وإما عائدةٌ على الفضلِ لأنه يُراد به طريق الجنان .