تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَقَدۡ أَضَلُّواْ كَثِيرٗاۖ وَلَا تَزِدِ ٱلظَّـٰلِمِينَ إِلَّا ضَلَٰلٗا} (24)

{ وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا } أي : وقد أضل الكبار والرؤساء بدعوتهم كثيرا من الخلق ، { وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلَالًا } أي : لو كان ضلالهم عند دعوتي إياهم بحق ، لكان مصلحة ، ولكن لا يزيدون بدعوة الرؤساء إلا ضلالا أي : فلم يبق محل لنجاحهم ولا لصلاحهم ، ولهذا ذكر الله عذابهم وعقوبتهم الدنيوية والأخروية ، فقال : { مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا }

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَقَدۡ أَضَلُّواْ كَثِيرٗاۖ وَلَا تَزِدِ ٱلظَّـٰلِمِينَ إِلَّا ضَلَٰلٗا} (24)

وقوله - تعالى - : { وَقَدْ أَضَلُّواْ كَثِيراً وَلاَ تَزِدِ الظالمين إِلاَّ ضَلاَلاً } معمول لقول مقدر ، وهذا القول المقدر معطوف على أقوال نوح السابقة .

أى : قال نوح مناجيا ربه بعد أن يئس من إيمان قومه : يا رب ، إن قومى قد عصونى ، وإنهم قد اتبعوا رؤساءهم المغرورين ، وإن هؤلاء الرؤساء قد مكروا بى وبأتباعى مكراً عظيما ، ومن مظاهر مكرهم أنهم حرضوا السفهاء على العكوف على عبادة أصنامهم . . وأنهم قد أضلوا خلقا كثيرا بأن حببوهم فى الكفر وكرهوا إليهم الإِيمان .

وقال نوح - أيضا - وأسألك يا رب أن لا تزيد الكافرين إلا ضلالا على ضلالهم ، فأنت الذى أخبرتنى بأنه " لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ " وإذاً فدعاء نوح - عليه السلام - عليهم بالازدياد من الضلال الذى هو ضد الهدى ، وإنما كان بعد أن يئس من إيمانهم ، وبعد أن أخبره ربه أنهم لن يؤمنوا .

قال صاحب الكشاف : قوله : { وَقَدْ أَضَلُّواْ كَثِيراً } الضمير للرؤساء ، ومعناه : وقد أضلوا كثيرا قبل هؤلاء الذين أمروهم بأن يتمسكوا بعبادة الأصنام . . ويجوز أن يكون الضمير للأصنام ، كقوله - تعالى - { إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً } الضمير للرؤساء ، ومعناه : وقد أضلوا كثيرا قبل هؤلاء الذين أمروهم بأن يتمسكوا بعبادة الأصنام . . ويجوز أن يكون الضمير للأصنام ، كقوله - تعالى - { وَلاَ تَزِدِ الظالمين إِلاَّ ضَلاَلاً } ؟ قلت : على قوله { رَّبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي } على حكاية كلام نوح . . ومعناه : قال رب إنهم عصون ، وقال : ولا تزد الظالمين إلا ضلالا .

فإن قلت : كيف جاز أن يريد لهم الضلال ، ويدعو الله بزيادته ؟ قلت : لتصميمهم على الكفر ، ووقوع اليأس من إيمانهم . . ويجوز أن يريد بالضلال : الضياع والهلاك . .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَقَدۡ أَضَلُّواْ كَثِيرٗاۖ وَلَا تَزِدِ ٱلظَّـٰلِمِينَ إِلَّا ضَلَٰلٗا} (24)

وقد أضلوا كثيرا الضمير للرؤساء أو للأصنام كقوله إنهن أضللن كثيرا ولا تزد الظالمين إلا ضلالا عطف على رب إنهم عصوني ولعل المطلوب هو الضلال في ترويج مكرهم ومصالح دنياهم لا في أمر دينهم أو الضياع والهلاك كقوله إن المجرمين في ضلال وسعر .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَقَدۡ أَضَلُّواْ كَثِيرٗاۖ وَلَا تَزِدِ ٱلظَّـٰلِمِينَ إِلَّا ضَلَٰلٗا} (24)

وقوله : { وقد أضلوا كثيراً } هو إخبار نوح عنهم وهو منقطع مما حكاه عنهم . والمعنى وقد أضل هؤلاء القائلون كثيراً من الناس الأتباع والعوام ، ثم دعا عليهم إلى الله تعالى بأن لا يزيدهم إلا ضلالاً ، وذكر { الظالمين } لتعم الدعوة الدعوة كل من جرى مجراهم . وقال الحسن في كتاب النقاش : أراد بقوله { وقد أضلوا } ، الأصنام المذكورة وعبر عنها بضمير من يعقل من حيث يعاملها جمهور أهلها معاملة من يعقل ، ويسند إليها أفعال العقل .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَقَدۡ أَضَلُّواْ كَثِيرٗاۖ وَلَا تَزِدِ ٱلظَّـٰلِمِينَ إِلَّا ضَلَٰلٗا} (24)

{ وقد أضلوا كثيرا }

عطف على { وقالوا لا تذرن ءالهتكم } [ نوح : 23 ] ، أي أضلوا بقولهم هذا وبغيره من تقاليد الشرك كثيراً من الأمة بحيث ما آمن مع نوح إلاّ قليل .

{ وَلاَ تَزِدِ الظالمين إِلاَّ ضلالا } .

يجوز أن تكون هذه الجملة تتمة كلام نوح متصلةً بحكاية كلامه السابق ، فتكون الواو عاطفة جزء جملة مقولةٍ لفعل { قال } [ نوح : 21 ] على جزئها الذي قبلها عطف المفاعيل بعضِها على بعض كما تقول قال امرؤ القيس قفا نبْك . ختم نوح شكواه إلى الله بالدعاء على الضالّين المتحدث عنهم بأن يزيدهم الله ضلالاً .

ولا يريبك عطف الإِنشاء على الخبر لأن منع عطف الإِنشاء على الخبر على الإِطلاق غير وجيه والقرآن طافح به .

ويجوز أن تكون جملة { ولا تزد الظالمين إلاّ ضلالاً } غير متصلة بحكاية كلامه في قوله : { قال نوح رب إنهم عصوني } [ نوح : 21 ] بل هو حكاية كلام آخرَ له صدر في موقف آخر ، فتكون الواو عاطفة جملة مقولة قول على جملة مقولة قول آخر ، أي نائبةٍ عن فعل قال كما تقول : قال امرؤ القيس :

قِفَا نَبْكِ

و : أَلاَ عمْ صباحاً أيها الطلل البالي

وقد نحا هذا المعنى من يأبون عطف الإِنشاء على الخبر .

والمراد ب { الظالمين } : قومه الذين عصوه فكان مقتضى الظاهر التعبير عنهم بالضمير عائداً على { قومي } من قوله : { دعوتُ قومي ليلاً ونهاراً } [ نوح : 5 ] فعدل عن الإِضمار إلى الإِظهار على خلاف مقتضى الظاهر لما يؤذن به وصف { الظالمين } من استحقاقهم الحرمان من عناية الله بهم لظلمهم ، أي إشراكهم بالله ، فالظلم هنا الشرك { إن الشرك لظلم عظيم } [ لقمان : 13 ] .

والضلال ، مستعار لعدم الاهتداء إلى طرائق المكر الذي خشي نوح غائلته في قوله : { ومكروا مكراً كُباراً } [ نوح : 22 ] ، أي حُلْ بيننا وبين مكرهم ولا تزدهم إمهالاً في طغيانهم علينا إلاّ أن تضللهم عن وسائله ، فيكون الاستثناء من تأكيد الشيء بما يشبه ضده ، أو أراد إبهام طرق النفع عليهم حتى تنكسر شوكتهم وتلين شكيمتهم نظير قول موسى عليه السلام { ربَّنا اطمِسْ على أموالهم واشْدُد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم } [ يونس : 88 ] .

وليس المراد بالضلال الضلال عن طريق الحق والتوحيد لظهور أنه ينافي دعوة نوح قومه إلى الاستغفار والإِيمان بالبعث فكيف يسأل الله أن يزيدهم منه .

ويجوز أن يكون الضلال أطلق على العذاب المسبب عن الضلال ، أي في عذاب يوم القيامة وهو عذاب الإِهانة والآلام .

ويجوز أن تكون جملةً معترضة وهي من كلام الله تعالى لنوح فتكون الواو اعتراضية ويقدر قول محذوف : وقلنا لا تزد الظالمين . والمعنى : ولا تزد في دعائهم فإن ذلك لا يزيدهم إلاّ ضلالاً ، فالزيادة منه تزيدهم كفراً وعناداً . وبهذا يبقى الضلال مستعملاً في معناه المشهور في اصطلاح القرآن ، فصيغة النهي مستعملة في التأييس من نفع دعوته إياهم . وأعلَمَ الله نوحاً أنه مهلكهم بقوله : { أُغْرقوا فأُدْخلوا ناراً } الآية [ نوح : 25 ] وهذا في معنى قوله : { وأوحي إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلاّ من قد ءامن فلا تبتئس بما كانوا يفعلون واصنع الفلك بأعيننا ووحينا ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون } [ هود : 36 ، 37 ] .

ألا ترى أن ختام كلتا الآيتين متحد المعنى من قوله هنا { أغرقوا وقوله في الآية الأخرى { إنهم مغرقون } .