وقوله : { يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا } أي : لا يشفع أحد عنده من الخلق ، إلا إذا أذن في الشفاعة{[522]} ولا يأذن إلا لمن رضي قوله ، أي : شفاعته ، من الأنبياء والمرسلين ، وعباده المقربين ، فيمن ارتضى قوله وعمله ، وهو المؤمن المخلص ، فإذا اختل واحد من هذه الأمور ، فلا سبيل لأحد إلى شفاعة من أحد .
{ يَوْمَئِذٍ لاَّ تَنفَعُ الشفاعة إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرحمن وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً } أى : فى هذا اليوم الذى تخشع فيه الأصوات لا تنفع الشفاعة أحدا كائنا من كان ، إلا شفاعة من أذن له الرحمن فى ذلك { وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً } أى : ورضى - سبحانه - قول الشافع فيمن يشفع له .
قال الإمام ابن كثير : وهذه الآية كقوله - تعالى - : { مَن ذَا الذي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ } وكقوله : { وَكَمْ مِّن مَّلَكٍ فِي السماوات لاَ تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلاَّ مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ الله لِمَن يَشَآءُ ويرضى } وكقوله : { وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارتضى } وفى الصحيحين من غير وجه ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " أتى تحت العرش ، وأخر لله ساجدا ، وبفتح على بمحامد لا أحصيها الآن ، ثم يقول - سبحانه - : " يا محمد ، ارفع رأسك ، وقل يسمع قولك ، واشفع تشفع . قال - صلى الله عليه وسلم - : فيحد لى حدا ، فأدخلهم الجنة ، ثم أعود ، فذكر أربع مرات " - صلى الله عليه وسلم - وعلى سائر الأنبياء . . .
وفى الحديث : يقول - تعالى - : " أخرجوا من النار من كان قلبه مثقال حبة من إيمان فيخرجون خلقا كثيرا ، ثم يقول - سبحانه - : أخرجوا من النار من كان فى قلبه نصف مثقال من إيمان ، أخرجوا من النار من كان فى قلبه ما يزن ذرة ، من كان فى قلبه أدنى أدنى أدنى مثقال ذرة من إيمان " .
يقول تعالى : { يَوْمَئِذٍ } أي : يوم القيامة { لا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ } أي : عنده { إِلا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلا } كقوله : { مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلا بِإِذْنِهِ } [ البقرة : 255 ] ، وقوله : { وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى } [ النجم : 26 ] ، وقال : { وَلا يَشْفَعُونَ إِلا لِمَنِ ارْتَضَى } [ الأنبياء : 28 ] وقال : { وَلا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ } [ سبأ : 23 ] ، وقال : { يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ إِلا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا } [ النبأ : 38 ] .
وفي الصحيحين ، من غير وجه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو سيد ولد آدم ، وأكرم الخلائق على الله عز وجل أنه قال : " آتي تحت العرش ، وأخر{[19504]} لله ساجدًا ، ويَفْتَح عليّ بمحامد لا أحصيها الآن ، فيدعني{[19505]} ما شاء الله أن يدعني ، ثم يقول : يا محمد ، ارفع رأسك ، وقل يسمع{[19506]} واشفع تشفع " . قال : " فيحد لي حدًّا ، فأدخلهم الجنة ، ثم أعود " ، فذكر أربع مرات ، صلوات الله وسلامه عليه وعلى سائر الأنبياء .
وفي الحديث [ أيضًا ]{[19507]} يقول تعالى : أخرجوا من النار من كان في قلبه مثقال حبة من إيمان ، فَيُخْرِجُون خلقا كثيرا ، ثم يقول : أخرجوا من النار من كان في قلبه نصف مثقال من إيمان ، أخرجوا من النار من كان في قلبه ما يزن ذرّة ، من كان في قلبه أدنى أدنى أدنى مثقال ذرّة من إيمان " الحديث . {[19508]}
و { من } في قوله { إلا من } يحتمل أن يكون الاستثناء متصلاً وتكون { من } في موضع نصب يراد بها المشفوع له فكأن المعنى{ إلا من أذن له الرحمن } في أن يشفع له ، ويحتمل أن يكون الاستثناء منقطعاً على تقدير » لكن من أذن له الرحمن يشفع « ، ف { من } في موضع نصب بالاستثناء ويصح أن يكون في موضع رفع كما يجوز الوجهان في قولك ما في الدار أحد إلا حماراً وإلا حمار والنصب أوجه { من } على هذه التأويلات للشافع ويحتمل أن تكون للمشفوع فيه .
جملة { يومئذ لا تنفع الشفاعة } كجملة { يومئذ يتبعون الداعي } في معنى التفريع على { وخشعت الأصوات للرحمن } ، أي لا يتكلّم الناس بينهم إلاّ همساً ولا يجرؤون على الشفاعة لمن يهمهم نفعه . والمقصود من هذا أن جلال الله والخشية منه يصدان عن التوسط عنده لنفع أحد إلاّ بإذنه ، وفيه تأييس للمشركين من أن يجدوا شفعاء لهم عند الله .
واستثناء { مَن أذِنَ لهُ الرحمن } من عموم الشفاعة باعتبار أنّ الشفاعة تقتضي شافعاً ، لأن المصدر فيه معنى الفعل فيقتضي فاعلاً ، أي إلا أن يشفع من أذن له الرحمان في أن يشفع ، فهو استثناء تام وليس بمفرغ .
واللاّم في { أذِنَ لهُ } لام تعدية فِعل { أَذِنَ } ، مثل قوله { قال فرعون آمنتم به قبل أن آذن لكم } [ الأعراف : 123 ] . وتفسير هذا ما ورد في حديث الشفاعة من قول النبي صلى الله عليه وسلم « فيقال لي : سلْ تُعْطَه واشفَعْ تُشفّع » .
وقوله { ورضِيَ له قولاً } عائد إلى { مَن أذن له الرّحمان } وهو الشافع . واللاّم الداخلة على ذلك الضمير لام التّعليل ، أي رضي الرحمانُ قولَ الشّافع لأجل الشافع ، أي إكراماً له كقوله تعالى : { ألم نشرح لك صدرك } [ الشرح : 1 ] فإن الله ما أذن للشافع بأن يشفع إلا وقد أراد قبول شفاعته ، فصار الإذن بالشّفاعة وقبولُها عنواناً على كرامة الشافع عند الله تعالى .
والمجرور متعلق بفعل { رضي } . وانتصب { قولاً } على المفعولية لفعل رضي لأن رضي هذا يتعدى إلى الشيء المرضي به بنفسه وبالباء .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.