إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{يَوۡمَئِذٖ لَّا تَنفَعُ ٱلشَّفَٰعَةُ إِلَّا مَنۡ أَذِنَ لَهُ ٱلرَّحۡمَٰنُ وَرَضِيَ لَهُۥ قَوۡلٗا} (109)

{ يَوْمَئِذٍ } أي يوم إذ يقع ما ذُكر من الأمور الهائلةِ { لاَّ تَنفَعُ الشفاعة } من الشفعاء أحداً { إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرحمن } أن يشفع له { وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً } أي ورضيَ لأجله قولَ الشافع في شأنه أو رضي قوله لأجله وفي شأنه ، وأما من عداه فلا تكاد تنفعه وإنْ فُرِضَ صدورُها عن الشفعاء المتصدّين للشفاعة للناس كقوله تعالى : { فَمَا تَنفَعُهُمْ شفاعة الشافعين } فالاستثناءُ كما ترى من أعم المفاعيل ، وأما كونُه استثناءً من الشفاعة على معنى لا تنفع الشفاعةُ إلا شفاعةُ من أذِن له الرحمن أن يشفع لغيره كما جوزوه ، فلا سبيل إليه لِما أن حُكم الشفاعةِ ممن لم يؤذَنْ له أن يملِكَها ولا تصدرُ هي عنه أصلاً كما في قوله تعالى : { لاَّ يَمْلِكُونَ الشفاعة إِلاَّ مَنِ اتخذ عِندَ الرحمن عَهْداً } وقوله تعالى : { وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارتضى } فالإخبارُ عنها بمجرد عدم نفعِها للمشفوع له ربما يوهم إمكانَ صدورِها عمن لم يؤذَنْ له مع إخلاله بمقتضى مقامِ تهويل اليوم ، وأما قوله تعالى : { وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شفاعة } فمعناه عدمُ الإذنِ في الشفاعة لا عدمُ قبولها بعد وقوعها .